نسمع باستمرار اتهام الغرب بأنه مادي النزعة و بأن الروحانية انقرضت فيه، بينما الواقع أن الغرب وحتى على المستوى العلمي الأكاديمي راكم خلال العقود الثلاثة الماضية ثروة عظيمة ومدهشة من الأبحاث والدراسات العلمية التي تمكنت من إثبات المبادئ الفوق حسية التي يقوم عليها المبدأ الإيماني، وباتت المفاهيم التي تولدت عن هذه الأبحاث جزءا من الثقافة الغربية العامة، بينما في الشرق المسلم هناك أمية بالنسبة لهذه المفاهيم، وقد تضمنت أحدث طبعة من الدليل التشخيصي الأمريكي 2000-DSM-IV الصادر عن اتحاد علم النفس الأمريكي، بندا أدخل عام1994 «V62.89-Religious or spiritual problem» «المشكلات الدينية أو الروحية»، ومنها «خبرة القرب من الموت near- death experience» والتي تعرف بأنها مجموعة من الخبرات المصاحبة لظرف يشعر فيه الإنسان بأن الموت محيق به، فيشعر بالانفصال عن العالم الدنيوي والخوف من مصيره الأخروي ويرى شريط حياته ولمحات أخروية سعيدة أو مخيفة، وتحدث للإنسان في الحوادث والتخدير والمرض والنوم، ودرس عدد من العلماء التأثيرات النفسية والاجتماعية «لخبرة القرب من الموت»، وتوصلوا إلى أن السمات القياسية لتلك التأثيرات؛ تغير منظور الإنسان للحياة والزهد في البعد المادي والإقبال على البعد الأخروي وتقل صلته بالتوجه الديني السائد ويميل للتوجه الذي يرى أنه أخلص روحيا، ولهذا هناك ورش عمل لمساعدتهم على النمو الروحي، وغالبا يغيرون وظائفهم وهناك من كان يعمل في البورصة وبعد «خبرة القرب من الموت» تبرع بملايينه ليعيش ويعمل في هيئة لرعاية المشردين. بينما الأمية في مجتمعاتنا بهذه الظواهر قد تصل تداعياتها لحد الخطر في جو مشحون كالواقع الإسلامي والذي انقرضت فيه الكثير من المبادئ الروحية، كمبدأ «الخدمة» أي العمل التطوعي، روي عن النبي عليه السلام أن الجارية كانت تأخذ بيده حيث تشاء ليقضي حاجتها، وأبوبكر الصديق وهو الخليفة كان يوميا يذهب لبيت عجوز عمياء مقعدة ينظف بيتها ويحلب ماشيتها لأحفادها، وبقيت هذه سنة حتى عصر ليس بالبعيد، وحاليا اقتصر العمل الخيري على دفع المال، لكن الإنسان لا يروي حاجته النفسية والروحية للعمل المتسامي بمجرد دفع المال، وكنموذجين لخطر غياب هذه المفاهيم. المطرب الكويتي «حسين الأحمد» عندما رأى رؤيا «خبرة القرب من الموت» اعتزل الفن وسافر لأفغانستان حيث احتجز في معسكر لإجباره على القيام بعملية انتحارية، لكن الشكوك راودته لما رأى من يحتجزونه يديرون مزارع للمخدرات فهرب وعاد لبلده وللفن، والمثال الآخر الإرهابي عبد الله عسيري منفذ محاولة الاغتيال الفاشلة للأمير محمد بن نايف، وقد صرحت عائلته بأنه وأخوه المطلوب كانا شابين عاديين حتى شهدا وفاة شقيقهما في حادث سيارة، فشكل هذا الحادث انعطافة في حياتهما إلى ما انتهيا إليه.. فبسبب ضعف العمق الروحي للممارسة الدينية وللأدبيات الدينية لم يعد في تصور الشباب من فعل ذي طابع روحي متسام باسم مصلحة الأمة سوى العمل المسلح في غير محله، لهذا يجب كأمريكا واليابان فرض ساعات إجبارية من العمل التطوعي على الطلاب. *العلامة ابن أبي الدنيا -280ه - أول من كتب عن خبرة القرب من الموت في كتابه «من عاش بعد الموت». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة