من أقصى نقطة في الساحل الشرقي لمياه الخليج.. إلى أقصى نقطة في الساحل الغربي لمياه البحر الأحمر، ومن منطقة جبال أم الرؤوس بالدمام التي انطلق منها فعل السحر من الأعماق نهرا من الثروة الكامنة للذهب الأسود تحت الأرض والمتمثلة في البئر الرمز رقم (7) .. إلى ثول الغافية شمال جدة والمختارة من بين المدائن في المملكة شبه القارة كمقر لقرية المعرفة وصناعة أغلى الثروات على وجه البسيطة وهي الإنسان. بين المنبع للثروة الطبيعية التي غيرت وجه الحياة وحولت معالم الصحراء إلى لوحة حضارية أخاذة ومثيرة للاعتزاز والدهشة.. وبين المصب لهذه الثروة التي ينعم بها كل شبر في هذا الوطن العالي المقام.. يدور حوار التاريخ في يوم وحدته الوطنية.. وحدة المعالجة الكيميائية لخارطة المملكة العربية السعودية التي رسم خطوط حدودها وأسس كيانها بتضحية خارقة الملك الموحد عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه. والمتأمل لهذا الحدث العظيم الذي يضطلع بدوره وبنجاح كبير بالإضافة إلى مهامه الجسام في التطوير والتحديث والتنمية خادم الحرمين الشريفين باطلاقه افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في ثول وسط احتفالية عالمية رائعة المظهر والمشهد التاريخي لتشكل قاعدة علمية وحضارية ناهضة بكل الأبعاد التنموية وفق رؤية مستقبلية ثاقبة وحصيفة أخذت تلوب في فكره كقائد فذ حفظه الله أكثر من عقد من الزمان.. هذا المتأمل يرى أنه ليس من قبيل المصادفة أن يتم توقيت مرحلة التدشين للجامعة مع يوم الذكرى الوطني.. وإنما هي رسالة قوية موجهة بذكاء ودهاء لمن يريد أن يفهم بأن الثروة الطبيعية التي «أس» انطلاقها كان من البئر رقم (7) على يد شركة «أرامكو» وقبل أكثر من 70 عاما من الآن.. حيث أن ست آبار قبلها فشلت في تحقيق الهدف بعد الحفر.. إلى أن جاء دور هذه البئر التي خيبت الآمال في آلة الحفر الأولى.. إلا أنها حضرت بفرح حين أنعشت الآمال بحفرها من جديد على عمق 1097م لتحمل أول بشارة لمصدر سعادة البلاد، وكان ذلك في 16 أكتوبر لعام 1937م بإنتاجها الغاز والزيت معا.. لكن الجدير ذكره هو أن أرامكو التي أضحت المصدر والممول والمغذي الحقيقي لكيان الدولة.. قبل أن تتنامى وتتعدد مصادر الدخل القومي للمملكة التي تشق طريقها وبقوة نحو العالم الأول.. هي أرامكو التي أوكل اليها قائدنا المفدى الملك عبد الله مهام بناء هذه الجامعة الفتية حيث لم تكذب خبرا وأنجزتها في زمن قياسي أذهلنا جميعا قياسا لما يحدث من تعثر لكثير من مشاريع البنى التحتية التي تتولاها شركات كسيحة لا تجد رقابة صارمة من قبل الأجهزة التابعة لها تلك المشاريع كما أسند لأرامكو أيضا صيانة وتشغيل هذه الجامعة التي تحظى بدعم المليك لأن تبقى قرية المستقبل المعرفي الواعد بالتميز الحضاري ومراكز بحث علمي لا تخدم خططنا التنموية الوطنية فحسب، ولكن لأن تكون قاعدة تصدير ومنارة إشعاع للمعرفة للإنسانية جمعاء خاصة أن الدراسة فيها قد بدأت في مطلع شهر سبتمبر الحالي بحيث تضم علماء متميزين ومتمرسين ومبدعين في مختلف العلوم التقنية المتطورة جدا كما تضم موهوبين ومبرزين من شتى أصقاع العالم. أليس هذا يكفي لأن ندعو أرامكو في أن تكون شريكة استراتيجية في المسؤولية الاجتماعية.. من خلال استغلال قدراتها المادية والعلمية والمعنوية وكل نواحي الخبرة في تبني العديد من المشاريع الحيوية ذات الاتصال بالبنى التحتية لعقل الإنسان وبنائه كأن تقوم بدور فاعل مثلا في بناء صرح علمي مماثل أو فرع لجامعة البترول بالظهران في المنطقة الغربية يسهم بدوره في إنتاج مخرجات مؤهلة ماهرة وذات كفاءة عالية تنعش سوق العمل.. إذ لا يكفي أن تكون جامعة البترول في شرق البلاد هي الوحيدة المنتجة لتلك المخرجات المتميزة.. ومن ثم فإن عملا كهذا قد يضاف إلى كل الرسائل التي مهرتها القيادة السعودية وعبر الأجيال المتعاقبة لتجسيد معاني الوحدة الوطنية وتحويلها إلى معالم حضارية وثيقة العرى لا تنفصم ولا تبلى، بل هي متجددة بإبداعات وأفكار عبقرية مماثلة لهذا العمل الإبداعي والإنساني الذي تفتق عنه فكر قائدنا الزعيم بإنشاء جامعة المعرفة العالمية.. ويدوم.. ويدوم عزك يا وطن.