استغرق حفر بئر " الخير " كأول بئر نفط في المملكة شهوراً تكاثرت فيها الصعوبات، واختلطت الآمال بالإحباطات، والءتبسَتء حقيقة وجود الزيت تحت رمال المملكة العربية السعودية بالوهم. ولكنّ الشهور الشاقة الطويلة انتهت ببشارة حقائق قادمة غيّرت مجرى التاريخ في البلاد السعودية، وأسهمت، بقوة، في تغيير وجه العالم، ونجحت أرامكو السعودية في استخراج البترول بكميات تجارية لأول مرة، في مارس 1938م، حيث كانت التقنية المستخدمة في حفر بئر الخير، بئر الدمام 7، هي تقنية جهاز الحفر الدوّار الذي يعمل بقوة البخار. وعلى الرغم من أن هذه التقنية هي التي قادت إلى سلسلة الاكتشافات النفطية المتلاحقة في البلاد السعودية فيما بعد؛ فإنها باتت اليوم من التاريخ، وحلّت محلها تقنيات معقدة، تستعين بقرابة 127برجاً حديدياً متنقلا لحفر آبار الزيت والغاز المصاحب له، ويتم نقلها من موقع إلى آخر عبر الصحارى وفي مياه الخليج العربي. أحدث تقنية في عام 1938كان جهاز الحفر الدوار الذي يعمل بالبخار آخر ما توصّلت إليه تقنية الحفر في عالم صناعة الزيت، وقد استُخدم الجهاز في بئر الدمام 7بعد جهاز آخر استُخدم في آبار أخرى هو جهاز الحفر بالدقّ. وفي بئر الدمام 7، كانت النتائج الفاشلة تتكرر، وترجح خلوّ ضفة الخليج العربي الغربية من الثروة المحتملة التي اكتُشف مثلها، فعلياً، في العراق وإيران والبحرين والكويت. وقد استغرق الأمر شهوراً تكاثرت فيها الصعوبات، واختلطت الآمال بالإحباطات، والءتبسَتء حقيقة وجود الزيت تحت رمال المملكة العربية السعودية بالوهم. ولكنّ الشهور الشاقة الطويلة انتهت ببشارة حقائق قادمة غيّرت مجرى التاريخ في البلاد السعودية، وأسهمت، بقوة، في تغيير وجه العالم..! تقنية متوسطة تمثّل عملية حفر البئر أكثر الأدلة دقة على وجود البترول، وكل العمليات التي تسبقها، في مراحل التنقيب والاستكشاف والبحث، تكاد لا تخرج عن كونها احتمالات قائمة على عمليات علمية نظرية ونسبية. وقد تصدق وقد لا تصدق. لكن الحفر، وحده، هو الذي يؤكد أو ينفي، ولا تُوجد منطقة وُسءطى بين التأكيد والنفي، في حقيقة وجود الثروة البترولية تحت الأرض..! وقد بدأت أرامكو السعودية أولى عمليات الحفر، بحثاً عن البترول، في نهاية أبريل عام 1935م، بعد قرابة عامين على توقيع اتفاقية الامتياز، وبعد سلسلة من عمليات التنقيب والاستكشاف التي شملت آلاف المواقع في الصحراء السعودية. والتقنية التي استخدمتها الشركة في حفر أول بئر للزيت كانت الحفر بواسطة الدق، وهي تقنية متوسطة في وقتها، بل واقع الحال هو إنها تقنية تخطّى عمرها ألف عام، ولكن الصناعيين أدخلوا عليها تعديلات فصارت من التقنية المتوسطة. وتعتمد طريقة الحفر بالدقّ أساساً على فكرة تعليق أداة حفر حادة في نهاية حبل، ثم رفعها وإسقاطها في الحفرة بشكل متكرر. ويتمّ تمرير حبل فوق بكرة ليوصل بعارضة طويلة أو قضيب يعمل عمل الرافعة. وتحتاج العملية إلى وزن ثقيل يرفع الحفار. والطريقة البدائية كانت تقوم على تجمّع أفراد من فريق الحفر يقفون فوق العارضة مستخدمين مجموع أوزانهم لرفع أداة الدق التي تشبه الوتد العملاق، ثم يقفز العاملون من فوق العارضة بشكل مفاجئ لتسقط أداة الدق في الحفرة وتضرب قاعها بقوة محدثة عمقاً إضافياً فيها. ويكرر العاملون صعودهم إلى العارضة وقفزهم المتزامن منها مراراً وتكراراً، إلى أن يصل الحفر نهايته المطلوبة بالوصول إلى موقع الماء، أو البترول. البخار بدلاً عن الرجال ومع تطوّر صناعة الآلات والأجهزة، في القرن التاسع عشر، زادت كفاءة تلك الطريقة المجهدة جداً، باستخدام قوة البخار بدلاً من وزن الإنسان في رفع أداة الحفر. وقد يسّر استخدام البخار استعمال أدوات حفر أثقل بكثير من سابقتها، مع استخدام كابل من الصلب محل الحبل. وقد عُرف هذا النظام الجديد باسم طريقة الحفر بآلة الكابل، وحفرت بهذه الطريقة أول بئر في عام 1859م، في الولاياتالمتحدة. وهي الطريقة ذاتها التي استخدمها المنقّبون عن الزيت العربي في ثلاثينيات القرن الماضي. اختراع المثقب في العقد الأخير من القرن التاسع عشر شهدت تقنية الحفر اختراعاً جديداً، هو جهاز الحفر الدوار المزوّد بمثقب من الصلب متصل بسلسلة طويلة من الأنابيب المعدنية، وتقوم هذه التقنية على دوران المثقب قاع البئر. واتسمت طريقة الحفر الدوّار، هذه، بالسرعة الكبيرة التي تفوق سرعة الحفر بالكابلات. وقد أدى ابتكار أسلوب الحفر الدواّر إلى بروز تطوّر جديد في وسائل الحفر، تمثّل في ادخال المثقب ذي الرؤوس الثلاثة المدببة الذي اخترعه هوارد هيوز عام 1909م. ويتكوّن هذا المثقب الذي أسهم كثيراً في زيادة سرعة الحفر من ثلاثة رؤوس معدنية مخروطية الشكل مزودة بأسنان شديدة الصلابة والقوّة، تدور مع دوران المثقب وتنحت طريقها عبر طبقات الصخور المتتالية. وبالطبع؛ فإن الحفر الدواّر لم يحلّ محلّ الحفر بالكابلات بين عشية وضحاها، بل بقيت طريقة الحفر بالكابلات مستخدمة في حفر آبار الزيت في بعض الأماكن حتى خمسينيات القرن الماضي، ولكن الحفر الدوار صار هو الطريقة المثلى منذ عام 1930م. بل إن هاتين التقنيتين لم تحلا دون استخدام أقدم الطرق البدائية في الحفر، إذ بقي الحفر اليدوي مستمراً حتى بدايات القرن العشرين أيضاً. ومن ذلك الحفر بحثاً عن الزيت، فضلاً عن الماء..! تقنيات مساندة وحين جاء رجال أرامكو الأوائل إلى البلاد السعودية، وأخذوا يحفرون في الرمال المترامية المتراكمة، استخدموا الطريقتين: الحفر بالكابل "الدق" والحفر الدوار. وكما سبق الإيضاح؛ فإن أول اكتشاف بترولي تجاري تمّ على يد الحفّارين بالطريقة الأحدث في ثلاثينيات القرن الماضي، طريقة الحفر الدوّار. وواقع الأمر ا ن عمليات الحفر لا تعتمد على الآلة الحافرة فحسب؛ بل تبقى في حاجة إلى عمليات مساندة دائماً. وأياً كانت الطريقة المستخدمة في الحفر؛ بالمعول والمجرفة أو الحفر الرحوي، فإن أداة الحفر ما هي إلا عنصر واحد من العناصر الضرورية لحفر البئر. أما العنصر الثاني فهو وسيلة دعم جوانب البئر لمنعها من الانهيار. ومع بداية تطوّر تقنيات الحفر في القرن التاسع عشر استُخدمت أنابيب معدنية لدعم جوانب البئر، ثم حلت محلها، بعد ذلك، مجموعة من أنابيب الفولاذ التي يمكن أن توصل نهايات بعضها ببعض بطريقة لولبية وتُدلّى في البئر أثناء عملية تعميق الحفر. ولا تقتصر الغاية من هذه الأنابيب، التي تعرف بأنابيب التغليف، على دعم جوانب البئر ومنعها من الانهيار فحسب، بل تعمل أيضاً كقنوات يخرج من خلالها فتات الحفر إلى سطح الأرض. الطين.. للحفر..! وهناك عنصر ثالث من العناصر المهمة في عملية الحفر يعرف بسائل "طين الحفر". وسائل طين الحفر هذا هو ماء يُضاف إليه نوع أو أكثر من مواد صلبة معينة مخلوطة بمواد كيميائية تُكسبها درجة ما من التماسك والوزن، ثم يضخ هذا الطين في مجموعة أنابيب الحفر التي تدير المثقب. ويؤدي هذا الطين غرضين، الأول: تبريد وتشحيم أسنان المثقب أثناء قطع الصخور، والثاني: حمل فتات الصخر من قاع البئر أثناء عودته إلى السطح من خلال الفراغ الواقع بين عمود الحفر وأنابيب التغليف. ويستفاد من هذا الفتات والقطع الصخرية المكسّرة في معرفة نوعية الصخور التي يخترقها جهاز الحفر. ويؤدي طين الحفر بالإضافة إلى ذلك، غرضاً مهماً آخر يتمثل في وزنه الثقيل في عمود البئر، حيث يعمل بمثابة سدادة أو كابح يمنع في معظم الحالات من الاندفاع المفاجئ، أو الانفجار الذي قد يحدث عندما تخترق أداة الحفر تكويناً يحتوي على الغاز أو الزيت. مقاييس دقيقة وبلا شك فإن أنبوب الحفر نفسه الذي يدير المثقب، يجب أن يتصف بمقاييس دقيقة، منها أن يكون قوياً بحيث يتحمل وزنه الكبير عندما يتدلى من جهاز الحفر، وكذلك ليساعد على سرعة اختراق المثقب للصخور. وأنابيب الحفر والمثاقب تتعرض لكثير من العمل المجهد. وللمثال فإن تغيير المثقب يستلزم الأمر إخراج الأنابيب من البئر وفكّها ثم إعادة تركيبها وإدخالها في البئر مرة أخرى. وهذا الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة ويستغرق مدة زمنية طويلة. نقل أبراج الحفر مرّت أجهزة الحفر بمراحل تطوير عديدة، وفي الأيام الأولى لنشأة هذه الصناعة، كانت الأجهزة أبراجاً بسيطة من الخشب الغرض الأساس منها هو توفير ارتفاع كاف بحيث يمكن رفع أداة الحفر المتدلية من حبل أو كابل الحفر ثم تركها لتسقط في البئر ثانية. وكان ترك هذا البرج الخشبي في مكانه بعد إنجاز حفر البئر أسهل من محاولة فكه وأقلّ تكلفة، ولربما كان ذلك وراء التصور الخاطئ الشائع عن حقول الزيت على أنها غابة من أجهزة وأبراج الحفر. أما الآن فقد تطوّرت أجهزة الحفر إلى مجموعة متنوعة من الهياكل المصنوعة من الصلب التي تمتاز بإمكانية نقلها من مكان إلى آخر، كما يمكنها عبور الصحراء والمحيطات. بعد الحفر في الوقت الراهن؛ لم يعد الهدف من أبراج الحفر هو توفير الارتفاع لإسقاط أداة الحفر المعلقة بالكابل، بل أصبحت وسيلة لسحب عمود الحفر من البئر ومكاناً يمكن فيه الحفاظ على الوضع العمودي لأنبوب الحفر عند تغيير المثقب. وبمجرد اكتمال حفر البئر يُزال جهاز الحفر ويُركّب صمام لفوهة البئر على سطح الأرض. وفي حال الحفر في المناطق البحرية تُبنى وتترك منصة من الصلب تخترق سطح الماء، فوق موقع البئر. أبراج الحفر السعودية وفي صحارى المملكة يوجد اليوم 127برجاً حديدياً متنقلا لحفر آبار الزيت والغاز المصاحب له، ويتم نقلها من موقع إلى آخر عبر الصحارى والطرق المعبدة والرملية بالإضافة لمنصات الحفر في مياه الخليج، ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات الميدانية وعدد كبير من المعدات الثقيلة فيما يشبه قافلة شاحنات عملاقة تتجول وسط الكثبان الرملية. ومن الطبيعي أن تختلف عملية الحفر اختلافاً كبيراً من بلد إلى بلد ومن موقع إلى آخر، من حيث صعوبتها وتكلفتها والطريقة التي يجب استعمالها فيها. ولم يعد ضرورياً أن تكون الآبار عمودية، فطرق الحفر الحديثة توفر إمكانية الوصول إلى جيوب الزيت عن طريق الحفر بشكل مقوس يبدأ عموديا ثم يتخذ وضعاً أفقياً عند بلوغه طبقات المكامن. وفي أحدث طرق لهذا الحفر الأفقي المستخدم في المملكة أصبح من الممكن حفر الجزء الأخير من البئر أفقياً، وهو ما يساعد على اختراق عدد أكبر الطبقات الحاملة للزيت، وبالتالي زيادة إنتاج الزيت. أماّ الحفر في المناطق البحرية فإنه أكثر كلفة وخطورة من الحفر على اليابسة، ويتطلب تنفيذه جلب جميع المعدات والطاقم إلى الموقع بالقوارب والسفن أو الطائرات العمودية. ويحتاج تركيب جهاز الحفر البحري فوق منصات فولاذية يمكن تعويمها والإبحار بها. وحالياً هناك المئات من آبار الزيت في المياه الإقليمية السعودية الواقعة في الخليج العربي. البئر الاستكشافية ومثلما تتنوّع تقنيات الحفر؛ تتعدد أغراض حفر آبار الزيت، وتختلف وظائف الآبار أيضاً. فهناك ما يُسمّى آباراً استكشافية، يتمّ حفرها للحصول على معلومات أدق عن وجود الزيت في موقع جديد. وبعضها الآخر يُسمى آباراً تحديدية، تُحفر لمعرفة حدود موقع معروف باحتوائه على الزيت. ومنها ما يُسمّى آبار التطوير التي تُحفر بهدف تطوير طاقة الإنتاج في حقل قائم أصلاً. أما اليوم، وكما كان الحال دائماً، فما تزال البئر الاستشكافية هي الأكثر أهمية، فمن خلالها يستطيع الجيولوجيون وفنيو الحفر معرفة كمية الزيت المتوقع وجودها في البئر.