بالغ الأخ نبيل الغمري في ردة فعله في «عكاظ» على ما ذكرته من أن أهل مكة لا عمرة لهم، فلا ينبغي لهم أن يأتوا بالعمرة سواء كانوا حجاجا أو غير حجاج وفي رمضان أو غيره. والأصل في هذا القول العقل قبل النقل. فالعمرة في اللغة معناها أن يعمر مكاناً خاليا من الناس إلا النزر اليسير فيها. فيكون مجيء الناس إلى هذه المنطقة هو من باب الإعمار وإكثار وجود الناس فتكون عامرة بهم، كما قال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله..}، فتكون عامرة بكثرة الناس فيها. وهذا ما دعا به إبراهيم ربه: {.. فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهِم ..}، لأن وجود هاجر وإسماعيل في ذلك المكان المقفر جعل إبراهيم يدعو ذلك الدعاء. وقد استجاب له ربه وأمره بالأذان في الناس بالحج بقوله: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ..}. فأصبحت مكة عامرة بوجود الحجاج فيها. لكن أيام الحج محدودة ويعود الحجاج إلى بلادهم، فتعود الوحشة وقلة الناس. ومن هنا كانت العمرة، وحكمها مستحب للأفاقين البعيدين عن مكة ويكره فعلها في أشهر الحج، لأن الناس موجودون للحج فيجب على من أراد العمرة أن يجعلها في غير أشهر الحج لتكون مكة عامرة طيلة العام. ولذلك كانت النية بالتمتع في الحج هي الأفضل من القران والإفراد، لأن المتمتع أدخل العمرة في الحج وبذلك يكون هناك ثمة فسحة للإتيان بها في غير أشهر الحج. وبذلك لا تنقطع مكة عن كثرة الناس فيها طيلة السنة. ولذلك كان عمر في خلافته لا يشجع الناس على أداء العمرة أثناء الحج ترغيبا لهم في أدائها في غير هذا الوقت لكي لا تنقطع مكة عن كثرة الناس فيها. إذن فالإعمار معناه مجيء الناس إلى هذا البلد لكي يكون عامرا دائما. ولا ينطبق هذا المعنى في حق أهل مكة، لأنهم أصلا هم عمار البيت بكونهم ساكنين فيه مقيمين طوال العام. هذا من جهة العقل. أما من جهة النقل فإن الأصل هو أن الله لا يقبل عمل ابن آدم أيا كان إلا إذا توفر فيه شرطان: الأول أن يكون خالصا لوجه الله. والثاني أن يكون هذا العمل وفقا لما شرع. وأصله قوله تعالى: {.. فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ..}، والعمل الصالح أن يكون وفقا لما شرعه الله وبينه رسوله. والرسول لم ينه أحدا من أهل مكة عن أداء العمرة في رمضان أو غيره. ولكن ليس هذا هو الطريق الذي تؤخذ منه الأحكام الشرعية. فإن الأصل في العبادات كلها الوقف. فلا ينبغي لأحد من الناس الإقدام على فعل فيه معنى التقرب إلى الله ما لم يكن له أصل في الشرع. والسؤال هنا هل كان أحد من الصحابة في عهد الرسالة ممن كانوا من أهل مكة وقاطنيها يأتي بالعمرة؟ والجواب هو النفي القطعي. لأنه لو فعل أحد منهم لاسيما أن منهم حبر الأمة وفقيهها عبد الله بن العباس لعلم ذلك قطعا. وإذ لم ينقل لنا علم أنهم لم يفعلوها. وأما قولك بأن الرسول إذ كره دخول الحمام (المعروف بالمغربي والشامي هذه الأيام) فإن هذا يدل على كراهية ذلك لغيره من الناس، فهذا القول ظاهر السقط والبطلان، وليس في هذا سبيل لاستخراج أحكام الشرع منه. فإن الأكل والشرب والحمام وأكل الضب أو لبس الحذاء العراقي أو الثوب اليمني ونحوه فهذه من الأفعال الجبلية والعادة التي يفعلها الرسول مثله مثل غيره من عامة الناس، وليس فيها مصدر للتشريع والأصل فيها الإباحة المطلقة. وإنما أفعاله التي يؤخذ منها الأحكام الشرعية هي ما كان فيها معنى التقرب إلى الله مثل الصلاة والصيام والحج وغيره. ولا يقال أنه عليه السلام كان منشغلا عام الفتح في مكة بأعمال الفتح ولذلك لم يأت بالعمرة كما قاله الأخ الغمري. ليست هذه حقا في فعل عبادة لم يفعلها الرسول، وإلا لجاز لأهل البدع والخرافات والاختراعات في الدين أن يخترعوا ما شاؤوا من العبادات بحجة أن الرسول لم يفعلها لأنه كان منشغلا عنها بشيء آخر. فحياته كلها تشريع وتبقى إلى يوم الدين. وقد كان عليه الصلاة والسلام منشغلا في غزوة الأحزاب بمواجهة العدو وترك أربع صلوات أخرها عن أوقاتها. فأصبح هذا تشريعا لأمته من بعده إلى يوم القيامة ممن كان في ظرف مثل ظرفه. بل كان في المدينة ولم يكن منشغلا بشيء وجمع وقصر أربع صلوات ومن غير مرض ولا مطر ولا سفر. فأصبح هذا تشريعا لأمته إلى يوم الدين فيمن وقع في حرج كما قال عليه السلام: «لكي لا تحرج أمتي ..» . أما من يحتج بعمرة عائشة من التنعيم فهذه حجة في غير محلها. لأنها أولا ليست من أهل مكة بعد هجرتها. وثانيا أن اعتمارها أيام الحج لأنها في أيام قدومها إلى مكة في حجة الوداع مع الرسول كانت ممنوعة من الصلاة وبالتالي الطواف. ولم تتمكن من إدخال العمرة في الحج كما أمر الرسول الناس. وعند انتهاء الحج كان عامة الناس راجعين إلى المدينة بحج وعمرة وهي بحج فقط وهذا ما جعلها تبكي وتشتكي حالها إلى الرسول فأمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم لتعتمر. وليس في فعلها هذا حجة في جواز الاعتمار لأهل مكة. فأهل مكة لا عمرة لهم لأن في اعتمارهم مناقضة للعقل والنقل.. مؤكدا للغمري مقولة ابن تيمية (26/264) .. بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار، بل الاعتمار بدعة لم يفعله السلف ولم يؤمر بها ولا قام دليل شرعي على استحبابها وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة