استغربتُ حملة في الإنترنت بعنوان (لا تخلّوهم يعلنون الشرك ويحتفلون بالمولد)! فالبعض سلّط سيف التبديع والتشريك على المسلمين وتهكم على الخرافيين والقبوريين وحَسِبَ أنه وحده الفرقة الناجية. إن سباب المسلم فسوق، وتكفيره أكبر بدعة. انتم مبتدعون "التبديع"! فلم يُبدّع أحد من السلف الصالح مخالفيه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيّما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة، وهو منها بريء يشينه بها في الدنيا كان حقًّا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال). وأكد الشافعي: كل ما له مستند من الشرع ليس ببدعة، ولو لم يعمل به السلف، والبدعة نوعان: محمودة، ومذمومة. ومنه نفهم الحديث (مَن سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا). وليس كل ما لم يفعله الرسول أو الصحابة حرامًا. فعلى مر العصور أُحدثت أمور. مثلاً عمر -رضي الله عنه- جمع الناس على صلاة التراويح وقال: (نعمت البدعة هذه)! كذلك أشار بجمع القرآن، فرد أبو بكر -رضي الله عنه-: «كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجابه: هو والله خير». وكرر أبو بكر جواب عمر حين سأله زيد بن حارثة نفس سؤاله. هذا رد خليفتي رسول الله! أمّا خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز فضم قبر المصطفى لمسجده، ولو حصل هذا في زماننا لرأينا كيف يشتعل التكفير! منّ الله فزخرفنا الحرمين الشريفين، ووضعنا شاشة في مساجد بجدة عند النساء ليروا الإمام ، فما اعترض أحد! ونصلي التهجد ونخصص ليلة لختم القرآن في رمضان. فكيف استوعبنا كل ذلك و"قفلنا" عند المولد!؟ مدن الحجاز ومعظم بلاد المسلمين عامرة بموالد على مدار السنة. الشيخ محمد علوي المالكي كان من أكبر علماء مكة ومحبي المولد! والشيخ القرضاوي أفتى بجواز الاحتفال بالمولد، ونفى أن يكون بدعة، ودعا لتذكير الناس بالحبيب لقول سعد بن أبي وقاص: «كنا نروّج لأبنائنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نحفّظهم السورة من القرآن». والشيخ الشعراوي أيضًا أيّد المولد. وشيخ علماء الشام البوطي كتب: «ليس كل جديد بدعة»، والأصل في الشيء الإباحة. والإمام السيوطي قال: المولد من البدع الحسنة، ويُثاب صاحبها. بل إن الشيخ ابن تيمية نفسه استحسن المولد فقال: تعظيم المولد قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم. وصوم الاثنين عبادة مستحبة شُرعت تعظيمًا ليوم مولده «ذلك يوم وُلدت فيه، ويوم بعثت فيه». الاحتفال بالمولد قراءة قرآن، وسيرة نبوية، وثوابه يندرج تحت (ما اجتمع قوم يذكرون الله إلاَّ حفّتهم الملائكة). وإن وُجدت منكرات، فيجب توجيه الناس لا تكفيرهم. اتركوا المسلمين يحبونه صلى الله عليه وسلم كما يشاءون، فنعمت البدعة هذه. دلال إبراهيم زهران