ربما كان دماغ الإنسان أعقد جهاز في هذا الكون، سواء في التركيب أو في وظائفه أو عمله، فيحتوي هذا الجهاز على ما يفوق عشرة بلايين خلية عصبية، وهو رقم يساوي ضعف عدد سكان العالم تقريبا وكل خلية عصبية تعتبر مصنعا كيمائيا إلكترونيا تشترك فيه آلاف الأنواع من المواد ويقوم هذا الجهاز العجيب بعدد كبير من المهمات والوظائف، ابتداء من تنظيم الأفعال غير الإرادية كالتنفس ونبض القلب وحرارة الجسم والهضم، وانتهاء بالإدراك والتفكير والعواطف والتذكر والخيال والإبداع. ويتكون هذا العقل من حيث الوظيفة إلى نوعين: العقل الواعي والعقل اللا واعي وهو ما نسميه بالعقل الباطن، العقل الواعي هو المسؤول عن تحركاتنا الإرادية، وهو المسؤول عن عمليات التفكير، ولذلك هو عقل نشط فعال، وعادة نفكر بوعي بين 2-7 عمليات في الثانية الواحدة، أما الباطن فهو يمثل مجموعة من الأفعال والاعتقادات والأقوال والمشاعر المختزنة الآتية من العقل الواعي والتي تتحكم في تصرفات وسلوكيات الإنسان اللا إرادية. وكذلك هو مكنة العمل اللا إرادية، فهو يقوم بأكثر من ألفي عملية في الثانية نيابة عنك مثلا: هل تتذكر كم من المرات نسيت اسما لشخص أو بلد أو مكان ولم تستطع أن تذكره ولكنك فجأة وأنت منشغل بأمر آخر لا علاقة له بذلك الاسم تتذكره وكأن أحدا أخبرك به؟. هل حدث لك أنه في مناسبات معينة كان يتعين عليك أن تستيقظ مبكرا في ساعة معينة على غير عادتك، فإذا بك تنتفض من نومك قبل الموعد بدقائق وكأن أحدا أيقظك؟. تذكر كيف كنت في مراحل تعلم القيادة الأولى، وكنت تجاهد نفسك على تذكر كيفية وضع يديك على المقود، وكيف تضع قدميك على بدالات السيارة، ثم أصبحت الآن تقود سيارتك بكفاءة تامة وأداء لا غبار عليه، وربما وأنت تخاطب أحدا بجانبك أو ذهنك منشغل بحل مشكلة من المشاكل؟. إن الأجوبة على كل ذلك، أن عقلك الباطن هو الذي يتحكم في هذه المواقف وجميع سلوكياتك اللا إرادية: فهو الذي أيقظك من نومك على غير عادتك، وهو الذي أوجد حل المشكلة المستعصية بعد أن أعطيته المشكلة ونسيتها، أي دعنا نقول: إن المتحكم الأكبر في تصرفاتنا هو العقل الباطن. إن العقل الباطن، هو الذي يقود أحاديثنا ورؤانا وافتراضاتنا وقناعتنا، أما الواعي فهو الذي يصوغ حياتنا ومشاعرنا ونفسيتنا تبعا لتلك الرؤى والقناعات والافتراضات، العقل الواعي يتعلق بالموضوع وبالمنطق يدرك السبب والنتيجة ويتلقى معلوماته عن طريق الحواس، ويقابلها بما هو مخزون في الدماغ من معلومات سابقة فيحلل ويستنتج، أما الباطن فهو يتعلق بالذات وهو لا يفهم المنطق ولا يفرق بين الصواب والخطأ، وهو طاقة محايدة يمكن أن تغير حياة الإنسان نحو الأفضل أو نحو الأسوأ كل ذلك يعتمد على ما يستقر فيه. يتضح لك بذلك قوة التكامل والتواصل بين نوعي العقل: الواعي واللا واعي، فالواعي: هو الذي يقدم المعلومات التي من خلالها يصوغ اللا واعي القناعات والافتراضات، وبالتالي السلوك، كما أن اللا واعي هو الذي يوفر الأرضية التي على خلفيتها يفكر الواعي، إنه حقا التناسق الذي أراده الله للكون {إنا كل شيء خلقناه بقدر}. د. حاتم سعيد الغامدي - استشاري نفسي