البعض يذكر مدينة خليص حينما كانت تمثل السلة الغذائية لجميع مدن الساحل، هذه المدينة ماتت حقولها وأوديتها ونضب ماؤها حينما خضعت لاستنزاف مهول لمياهها الجوفية، وتحويل تلك المياه إلى مدينة جدة في فترة سابقة. ومن يزور خليص الآن سيكتشف عمق الظلم الذي مورس على هذه المدينة وتركها مغبرة تبحث عن ماضيها الزاهر وعن حقولها الميتة. ففي أحيان يتم هدر المخزون المائي بواسطة قرار غير مسؤول أو قرار لا يحسب العواقب، وكلنا يذكر مدن القصيم حينما تحولت أراضيها الزراعية إلى بؤرة لإهدار المياه، فمن أجل كومة برسيم ثمنها لا يتجاوز الريالين يتم إهدار كميات مهولة من المياه الجوفية، هذا الإهدار تحملته وزارة الزراعة في وقت سابق ولم يتم محاسبة صاحب القرار الذي أهدر مياه ثمينة على (شوية برسيم). واليوم تقف مدينة العلا مرتجفة من قرار وزير المياه، وهو قرار أشبه بالوأد مالم يتم تلافيه، ففي حين أقرت واعتمدت الدولة مشروع تحلية مياه لمحافظة العلا (من الوجه إلى العلا) بتكلفة تصل إلى نحو سبعمائة مليون ريال، إلا أن المشروع تأجل وتباطأ من غير معرفة سبب هذا التباطؤ (أو معرفة إلى أين ذهبت السبعمائة مليون المقررة للمشروع) وقبل معرفتهم بذلك جاء قرار وزير المياه الفاجع ألا وهو الاستعاضة عن مشروع التحلية بحفر عشرات الآبار الارتوازية في شمال شرق محافظة العلا وإيصال مياهها حتى محافظة خيبر، بمعنى آخر تدمير المخزون المائي للمحافظة والإصرار على تحدي كافة المعطيات والظروف البيئية والطبيعية الحالية والمستقبلية لمحافظة العلا. فإصرار وزارة المياه على البدء في إنفاذ خطتها والمتضمنة الالتفاف على مشروع تحلية المياه المعتمد سلفا بحفر عشرات الآبار ما هو إلا تعد صارخ على ثروة محافظة العلا المائية السطحية المحدودة وغير المرتكزة في الأساس على مياه البحار أو الأنهار. ومع أن أهالي العلا رفعوا خطابات مختلفة المسالك تبين خطورة حفر الآبار على المدينة التاريخية (الضاربة في عمق التاريخ)، إلا أن هذا لم يثن الوزارة عن المضي في قراراها من غير أن تبين أين ذهبت (السبعمائة مليون المقررة للمشروع التحلية) ولكي تعرف الوزارة خطورة استنزاف المياه الجوفية على محافظة العلا فيمكن التأكيد أن الخطورة تكمن في فقدان المحافظة كميات المياه المختزنة في جوف الأرض، إما على المدى القريب أو على مدى سنوات محدودة في أحسن الأحوال كون المياه التي سوف تضخ يوميا سوف تصل إلى ملايين اللترات من المياه، مما يعني المجازفة بالحاضر وبالمستقبل المائي للمحافظة وتعريض حقوق الأجيال القادمة للخطر المحقق. وأهالي العلا ما زالوا ينظرون إلى تلك الشواهد الماثلة والمؤلمة والمحزنة التي حلت في بعض قرى المحافظة المجاورة تماما، كقرية مغيراء وأبوزرايب التي حول الجفاف أجزاء كثيرة منها إلى أثر بعد عين فواقع الحال لا يطمئن كثيرا خاصة مع ندرة مياه الأمطار وقلة هطولها. كما أن المشروع سوف يفوت على أهالي محافظة العلا فرصتهم الحقيقية والمنتظرة منذ أمد بعيد في الحصول على مياه البحر المحلاة الذي لا يبعد عنهم سوى مائتين وعشرين كيلومترا فقط (وحرمانهم من هذا المشروع يجعل السؤال قائم أين ذهبت الملايين التي أقرتها الدولة لهذا المشروع؟) كما أن المشروع المقترح من الوزارة سوف يحرم أهالي قرى المحافظة الشمالية كأبي راكة والنشيفة والفارعة والجو والبليطيح والنجيل والشهيباء والذييل وغيرها من مياه تحلية البحر ضمن مشروع التحلية الذي جرى إقراره في ميزانية الدولة، وهذا ما أكدته رؤية مجلس الشورى في ظل الإمكانات الاقتصادية الممتازة لبلادنا، وكما هي رؤية واستشراف كل العارفين بالظروف البيئية والمناخية لطبيعة بلادنا الصحراوية التي أثبتت التجارب فشل مشاريع الآبار الارتوازية وقصر أعمارها. ويكفي نضوب المياه الجوفية في خليص ووادي فاطمة وفي بعض مدن القصيم ومدن جازان، ألم تسمع وزارة المياه بحرب المياه القادم، أبقوا لنا مخزونا استراتيجيا وإلا سنجد كل المدن ميتة بسبب الاستنزاف. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة