يقولون إن التاريخ الإنساني مر بثلاث مراحل أساسية: الوحشية، والبربرية، والحضارة!! ورغم أن الكثيرين يعتقدون أن الحضارات ركيزتها الزراعة، إلا أن فريقا من الباحثين والعلماء أقر أن أحد مقومات الحضارة الحقيقية هي الكتابة، أي وجود نظام كتابي يُستعمل في التدوين ، فالحضارة كما يقولون هي ابنة الكتابة فلا حضارة دونها!! وبناء على ما سبق، قف واسأل نفسك من نكون نحن في تلك المنظومة، وابتسم في زهو فلا يوجد أعظم منا في هذا الصدد وقد أتى ديننا بكلمة، كان أولها أمر إلهي بالقراءة ، ونبي كريم كانت معجزته في فصاحته وبلاغته وقد أوتي جوامع الكلم!! لكن رغم المقدمة الزاهية، فسطورنا تقطر ألما اليوم، تختلط بطعم الدماء والدمار الذي امتزج بلعابنا في نهار رمضان، ونحن نسمع ونرى ونرقب في ذهول ورهبة ما حدث!! في شهر الإيمان، غابت الروحانية والطمأنينة والهدوء وحضر القلق والهم والخوف.. في شهر التسامح، في شهر الحب رأينا مشاهد الكره والحقد والبغض، رأينا وحوشا سائبة أتت من عصر الظلام، وقد أصرت أن تجرنا معها إلى ما قبل الحضارة الإنسانية بأكملها ، إلى عالم الوحشية، وقد ظهرت علينا مغتالة أسمى قيمة يمتلكها كل فرد فينا .. إنه ديننا الذي يدعون ملكيته، والذي هو منهم بريء!! حالة من الغثيان تصيب الشعب اليوم بعد أن تصدر الحوار بين الأمير محمد بن نايف والإرهابي صفحات الجرائد .. رأينا وشاهدنا صورا اعتدنا رؤيتها من خلال شاشة التلفاز، خارج حدودنا، لكنها اليوم تحدث في عقر دارنا!! القضية ليست مجرد مشهد لمسؤول يتعرض للطعن في ظهره أو للاغتيال في عقر داره .. ذلك مشهد مكرر رغم بشاعته وقسوته، فلكم رأينا شعوبا تبكي حكامها ومسؤوليها الذين راحوا فداء تراب الوطن بأيد آثمة غادرة ، لكن مشهد الأمس الحزين يبقى الأشهر والأكثر ألما، وقد رأينا بالصوت والصورة أبا يخاطب ابنا محاورا إياه بلطف، محاولا التقرب منه وقد سأل عن أحواله وعن أخبار أهله وقد استوصى بهم خيرا، بعد أن أعطاهم جميعا العهد والأمان ، على أمل أن يعودوا لرشدهم!! رأيناه بالصوت والصورة وفي يوم من أيام الرحمة كيف تبددت الرحمة، رأينا كيف كان الوغد يحتال وهو يخبر الأمير عبر الهاتف أنه يريد أن يُقابله، وأن رمضان هذا سيكون نقلة نوعية، وقد كان يعنيها، فقد أرادها ليلة رمضانية يزف فيها إلى جنة الخلد، في مشهد يمتلأ خسة وغدرا!! ولا ندري أية جنة ستطأها أقدام هؤلاء !! أي جنة سيدخلها، وقد غزى بيت مسلم في الشهر الحرام غادرا!! أي جنة تلك والناس تلعنه بعد أن أفزعهم وهدد أمنهم وأقلق راحتهم في أحلى الأيام وأقدسها!! الابن الضال، الخائن الذي دخل البيت في الشهر الحرام ، ليغدر بصاحب البيت وبمن أعطاه الأمان، سيتذكره الناس طويلا في كل عام، بعد أن علقت ذكراه السيئة بقلوبهم الوجلة .. سيدعون عليه آناء الليل وأطراف النهار حين تحل ذكراه العفنة، وعلى كل من هو على شاكلته بالهلاك إلى يوم الدين. هؤلاء صورة مقززة مقيتة لبشر تخلو عن آدميتهم. اليوم، وحتى لا يكون بيننا إرهابي يفجر نفسه في رمضان وغير رمضان وقد ظن أنه شهيد!! كي لا نتذوق طعم الدم ونحن في شهر الصيام، كي لا نذرف الدمع هلعا وعيوننا متعلقة بأبواب السموات.. كي لا ترجف قلوبنا خوفا على وطننا ورموز أمنه، وعروقنا لم تبتل ولم يجف ظمأنا بعد يوم صوم مبارك، حتى لا يأتينا عيد نتبادل فيه العزاء بدلا عن عبارات التهاني والتبريكات والضحية الوطن .. حتى لا نعود لنقطة الصفر في تاريخ الحضارات ونحن من يهرول اليوم مصارعين علنا لحقنا بالركب .. حتى لا نعود لنقطة ما قبل البداية ونتأخر مائة عام أخرى عن المنافسة، يجب أن نحوط أبناءنا بسياج من الرعاية، أن نزرع في قلوبهم المعنى السامي لديننا العظيم ونلقنهم أنه أساس الحضارات وليس منفاها!! أن نزرع في قلوبهم هواية جميلة اسمها البحث عن حلم يمتلكوه طيلة العمر، أن نعانقهم كل ليلة ونخبرهم كم نحبهم وأنهم غاليين جدا لأنهم سيكونون الحصن والملاذ في المستقبل.. يجب أن نفهمهم أن حب الدنيا ليس عيبا وليست تهمة تستوجب الجلد وجز الرقاب، بل إن عمارة الأرض هي الغاية من وجودنا على هذه الأرض كما أمرنا رب العزة والجلال ، وعمارة الأرض لن تأتي أبدا من كره أو مقت للحياة!! كأفراد لدينا الكثير لنقدمه.. فلنبدأ الآن.. فلنرب أبناءنا على حب هذه الأرض والذود عنها فالآتي من الأيام أصعب مما مضى .. ولنزرع بذرة الحلم ، ونساعدهم أن يعيشوا أحلامهم ليحققوها ولنحفر على جبينهم أن رحلة الحلم جميلة والأجمل لحظة الولادة والحياة، وليس مشهد الموت والنهاية، والأروع حين يولد حلمنا على ضفاف الوطن، بمباركة الأم. نعم .. أن نربي إنسانا يحلم وينتج ويعمل وينجز، لهي رسالتي ورسالتك ورسالة كل أب وأم من أجل جيل وفي معطاء، ينسينا مشاهد الخسة والغدر. دمتم ودمت يا وطن بألف خير،،