عاد إلينا شهر الصيام شهر القرآن شهر القيام.. وما أعجب الفهم الذي بدأ ينتشر في العالم الإسلامي عن الصيام وشهره المبارك وكأنه شهر للترفيه والتسلية وإضاعة الوقت وأخشى ما يخشاه الإنسان على نفسه وأهله وأمة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم أن يصبح هذا المفهوم عدوى كعدوى المرض تتفشى في المجتمعات الإسلامية حتى تعود هي الأصل ويضيع الهدف الأساسي من الصيام ويصبح شاذا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الأصل في الصيام وشهره والهدف منه هو التقوى كما ورد في أول آية من آيات الصيام في سورة البقرة قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (183)، وفي آخر آية من آيات الصيام يقول الله تبارك وتعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) (187). وما نلاحظه اليوم.. أن المسلم يمتنع عن الشراب والطعام نهارا ولكنه يشغل الليل والنهار بملهيات ولغو ومسليات ومسلسلات.. كثير منها للضحك والاستهزاء والقليل منها فيها عبرة أو اتعاظ.. بل ما أكثر المحرم منها والمكروه. والسؤال المطروح أمام كل مسلم ومسلمة هل جعل الله شهر رمضان المبارك للتسلية والترفيه البريء كما يقولون؟! أم هو للجد والاجتهاد والتفاني في الأعمال الصالحة والإنفاق وصلة الأرحام؟؟ وما أكثر الأعمال الصالحة التي يمكن أن يشغل المسلم والمسلمة أوقاتهما بها وتعود عليهما بالأجر والثواب العظيم. لقد جعل الله للصائم عند فطره دعوة لا ترد كما ورد ذلك في الحديث الصحيح.. فكيف يصرف هذا الوقت في ترفيه بريء؟ عداك عن محرم ومبتذل، فقد قرأت في عدد من الصحف انتقادات لاذعة لبعض ما عرض ويعرض خصيصا في شهر رمضان المبارك.. بأن كثيرا منها هابط عن مستوى الذوق الفطري السليم.. وآخر لا يدعو إلى الضحك والممثلون يموتون ضحكا والمشاهدون يستغربون!!. تجتهد الناس اليوم وتبذل من المال والجهود ما لا يبذل في أمر خير.. لينحرف الناس عن الهدف الحقيقي للصيام والقيام ألا وهو تربية المسلم والمسلمة على قدرة خارقة في الامتناع عن المباح وما يحتاجه المرء للحياة من طعام وماء فيتربيان على قدرة أعظم في الامتناع عن المحرم وما تعافه النفس البشرية السوية.. بينما يعمل المفسدون في الأرض على جرف الناس لإضاعة هذه المعاني الطيبة بحيث يمتنع المسلم والمسلمة عن الطعام والشراب ولا يكون لذلك أي أثر طيب على بقية جوانب الحياة... رب صائم لم ينل من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم لم ينل من قيامه إلا التعب والنصب، ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا نشك في أن هناك والحمد لله الكثير من النساء والرجال والولدان والبنات الذين يصومون ويقومون ويتضرعون ويبكون بما يثلج الصدور.. ولكننا نخشى على أنفسنا وعلى فلذات أكبادنا أن نصاب بالعدوى فالشر يستشري وعدوى الخبث والسوء والخراب والضياع كعدوى الأمراض تنتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم.. يجب أن نخشى ونحذر من كل ما يصرفنا عن الخير والبذل والعمل الصالح بمفهومه الشامل بحيث يكون خوفنا من ضياع الهدف الحقيقي للصيام والانشغال بالترفيه البريء وغير البريء أكثر من خوفنا من الأمراض المعدية مثل خوف الناس اليوم من مرض انفلونزا الخنازير. كيف بالله يرضى أناس أن يشغلوا إخوانهم وأخواتهم في العشر الأواخر من رمضان التي فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؟!! أو ننشغل نحن بترهات فاسدة ونزوات زائلة وشبهات باطلة!!. وهذا شهر الصيام فهل نقبل التحدي لنجاهد أنفسنا بعيدين كل البعد، بعد المشارق والمغارب عن كل ما لا يليق بهذا الشهر الفضيل، ونسعى بشكل حثيث لنجعل منه شهر الصلاح والإصلاح والعمل الجاد ونحقق فيه التقوى في كل مجالات الحياة. فالحياة قصيرة والموت يتخطف الصحيح قبل المريض والشاب قبل الشيخ والطفل الرضيع السليم قبل المريض المنهك الذي نهشته العديد من الأمراض.. أسأل الله أن يجعله شهرا نظيفا من كل ترفيه بريء وغير بريء وشهرا مليئا بالجد والاجتهاد والعمل الصالح بمفهومه الشامل مع دعاء حار وخضوع وذلة للعزيز الجبار يعقبه فوز بالجنة وعتق من النار.