في تعاملنا مع المؤسسات الغربية المهتمة ببعض الشؤون الفئوية والحقوقية نحتاج إلى تأمل أبعاد تلك القضايا داخل المجتمع الغربي ذاته، حتى نكون على بينة من الهواجس التي تنتابهم وكيف يمكن أن نعبر لهم بنجاح عن رؤيتنا ومواقفنا من هذه القضايا، هناك في المجتمع الغربي مثلا «هوجة» منظمات حقوقية تهتم بشؤون المرأة في أوروبا والعالم كله، وتناصر ما تراه قضايا للمرأة في العالم الإسلامي وغيره، ومن الصعب تصور أن أي بيان أو قرار يصدر هناك تكون وراءه مؤامرة أو يكون مدفوعا بالكراهية للإسلام والمسلمين والمجتمع الإسلامي، صحيح أن بعض تلك الكراهية موجودة بالفعل ولا يمكن أن نخطئها، ولكن ليس كل المشكلة ملخصة في ذلك، لأن المجتمع الغربي يعاني بشدة من تلك المشكلة، وقضايا المرأة والاعتداء عليها وإهدار حقوقها أوسع بكثر مما نتخيل وأقسى من أن تخفيها مساحيق الحضارة من مثل نسبة الأعمال التي تشغلها ومشاركتها في الحياة العامة. ولعل بعض الإحصائيات التي تنشرها مراكز بحث ومؤسسات متخصصة تكشف لنا عن حقائق أقرب إلى الصدمة، على سبيل المثال، نشرت مجلة التايم الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي، دراسة أمريكية أخرى جرت في عام 1407ه1987م أشارت إلى أن 79 في المائة من الأمريكيين يقومون بضرب النساء وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن، وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17 في المائة من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن 83 في المائة دخلن المستشفيات سابقا مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها كان دخولهن نتيجة الضرب، ودراسة أخرى فحصت 1360 سجلا للنساء أوضحت أن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعا للجروح التي تصاب بها النساء، وأنها تفوق ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات، السرقة، والاغتصاب مجتمعة، هذه أرقام مفزعة ومخيفة وتتصور معها أن النساء يعشن في غابة هناك، وأن هناك خطورة حقيقية على النساء من هذه الاستباحة العنيفة واسعة النطاق، وبالتالي فلنا أن نتخيل ونتفهم أيضا حجم الهواجس التي تظلل أفكار المنظمات الحقوقية الأمريكية أو الأوروبية تجاه قضايا المرأة، وهي الهواجس التي تظلل أيضا أي خطاب يقومون بتوجيهه عن العالم الإسلامي وأوضاع المرأة فيه، وهو الأمر الذي ينبغي مراعاته في أي حوار حضاري أو إنساني أو حقوقي مع تلك المنظمات، إن بنية المجتمع العربي والإسلامي تختلف جذريا عن بنية المجتمع الغربي، كما أن حضور الدين في الضمير الجماعي والفردي يضفي أجواء من الرحمة والإنسانية والعدالة تنبع من ضمير الإنسان المسلم قبل أن تنبع من القوانين المنظمة للحياة الأسرية، وصحيح أنه لا يوجد مجتمع ملائكي على الأرض، ولكن المؤكد أن المقارنة بين أحوال المرأة المسلمة والأخرى في بلاد الغرب يكشف عن هوة إنسانية واسعة لصالح المرأة المسلمة، وهو ما شهدت به كثيرات من النساء الغربيات اللاتي قدر لهن زيارة العالم الإسلامي ومعرفته عن قرب.