الشجاعة هي أم الصفات الكريمة للإنسان، مطلق إنسان، وهي إذ يتحلى بها الصحافي تكون شجاعة موقف ورأي، تدعمها الحقائق والوقائع المشاهدة في المخاطر، وهنا لا بد أن تشتبك مع التزوير، وتكلف صاحبها ثمنا باهظا أحيانا. دونالد بوستروم صحافي سويدي، زار فلسطين أكثر من ثلاثين مرة، فرأى وصور وكتب، لأنه لم يزر فلسطين سائحا، بل باحثا عن حقيقة الصراع الدائر على الأرض المعذبة، بين شعب أعزل إلا من حجارة أرضه، والشعور العالي بالكرامة، والتسلح بإرادة لم يكسرها البطش، وتفوق السلاح في يد محتل شرس يمارس القتل، واقتلاع الأشجار، وصيد أطفال الفلسطينيين بلا رحمة، بل بمتعة يبررها بأساطير وخرافات تحشو عقله. هذا الصحافي السويدي عايش الفلسطينيين في الانتفاضتين، ونقل المشهد بتفاصيله وجنونه ورعبه إلى المواطن السويدي ليحصنه بالمعرفة والحقيقة في وجه الدعاية الصهيونية العنصرية الابتزازية. جاء إلى فلسطين وهو غير منحاز لأي من الطرفين، ولكن نزاهته كصحافي فتحت عينيه على واقع الصراع، فتأمل ما يحدث، وذهب برؤيته إلى الجوهر، فانحاز للحقيقة والحق، وجمع كتابات عدد من السويديين في كتاب أطلق عليه اسم (إن شاء الله) ترجمته إلى العربية أمل عطا عباس الكسواني، وصدر بطبعته العربية في السويد عام 2006. والكتاب يحوي 200 صورة التقطها بوستروم نفسه، وهو معروف كمصور ممتاز، والصور تحكي أحداث الانتفاضتين، وسور النهب، وتدمير المنازل، ومشاهد قمع جنود الاحتلال للفلسطينيين. عنوان الكتاب ليس سخرية من إيمان الفلسطينيين، ولكنه احترام لثقتهم بعدالة الله الواحد الأحد، رب العالمين، وليس إله فئة من البشر تدعي التميز العنصري على بني البشر أجمعين بأعراقهم، وألوانهم، وثقافاتهم. تثير الدوائر الصهيونية بماكنتها الدعائية الإعلامية هذه الأيام حملة ابتزاز وتشهير تستهدف دونالد بوستروم لكتابته مقالة تتهم جنود الاحتلال بتعمد قتل الفلسطينيين، وسرقة أعضائهم. المقالة نشرت في صحيفة «أفتونبلاديت» السويدية الشعبية واسعة الانتشار، وهو يورد الواقعة المثيرة: كنت موجودا في الأراضي المحتلة عام 1992 عندما جلبت سلطات الاحتلال جثة فلسطيني يدعى بلال أحمد غانم، وقد قالت أسرته إن الجيش سرق بعض أعضائه. ولقد سمعت روايات مماثلة من 20 أسرة فلسطينية تسلمت جثث أبنائها، ظهرت فيها قطب جراحة. يتساءل الصحافي الشجاع: لماذا يجري تشريح جثث الفلسطينيين الذين يسقطون برصاص جنود الاحتلال، ما دامت أسباب الوفاة معروفة؟! هذا أمر غير مفهوم، وهو يحتاج للتحقيق فيه، وهو ما قد يقود إلى اكتشاف جرائم حرب يمارسها جيش الاحتلال.