على الرغم من النبرة العالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان تجاه الحكومة السويدية بسبب نشر مقال للكاتب والمصور السويدي دونالد بوستروم في الصفحة الثقافية في صحيفة «افتونبلادت»، يوجه فيه اتهامات مبطنة لإسرائيل بسرقة اعضاء داخلية لقتلى فلسطينيين، فأن زيارة وزير خارجية السويد كارل بيلدت المرتقبة الى اسرائيل لم تلغ. كارل بيلدت عمل بالقانون السويدي ورفض ادانة المقال الذي اثار ازمة اعلامية وسياسية بين البلدين ملتزماً دستور الحريات المقدس في السويد. ويعيش الإعلام السويدي حالة من الاستغراب بسبب ردات الفعل السلبية والمتتالية من ممثلي الحكومة الإسرائيلية على مقالة مضمونها ليس بجديد، اذ ان بوستروم نشر كتاباً مصوراً تحت عنوان «ان شاء الله» سنة 2001 وشارك معه أحد عشر صحافياً معروفاً في تغطيته لمنطقة الشرق الأوسط. وأعطي كل صحافي مكاناً في الكتاب المكون من 312 صفحة ملونة ليكتب موضوعاً او موقفاً معيناً من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. اختار بوستروم الذي اشرف على الكتاب موضوع اتهام عائلات فلسطينية لإسرائيل بسرقة اعضاء داخلية لأولادهم بعد قتلهم. وأخذ بوستروم قضية بلال احمد غانم (19 سنة) من حركة فتح الذي كانت تلاحقه اسرائيل بتهمة رشق جنودها بالحجارة. وفي منتصف احد ايام شهر ايار (مايو) 1992 ظهر بلال من دون سابق انذار في قريته في الضفة الغربية. كانت قوة اسرائيلية خاصة بقيادة ضابط يعرفه الأهالي بلقب «ابو يحي» متمركزة في القرية وأطلقت النار على الشاب وأردته. سحب جنود الاحتلال جثته عشرات الأمتار على الطريق ومن ثم صعوداً على درج احد المنازل حيث يتمركزون الى ان وصلت سيارة اسعاف للجيش ونقلت بلال الى خارج القرية حيث كانت بانتظارها طائرة هليكوبتر عسكرية نقلته الى احد المستشفيات في تل ابيب. قبل ايام من الاغتيال سافر بوستروم الى القدس وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لإنجاز كتابه «ان شاء الله». الهدف من المهمة الإعلامية القاء الضوء على الوجود المسيحي في القدس. لكن اثناء وجود بوستروم في المدينة المقدسة اتصل به عدد من العاملين مع الأممالمتحدة قلقين من تقارير ومعلومات تشير الى قيام الجيش الإسرائيلي بقتل فلسطينيين وسرقة اعضائهم الداخلية. اكمل بوستروم سفره من القدس الى الضفة الغربية حيث القرية التي كانت تشهد حالة غليان بسبب مقتل الشاب بلال. بعد خمسة ايام على العملية دخلت قوة اسرائيلية تحت ظلام الليل القرية بعدما قطعت عنها التيار الكهربائي. بوستروم الذي كان داخل القرية مع عدد من الصحافيين كان شاهداً على تسليم جثة بلال الى اهله وإجبارهم على دفنها في جنح الظلام. وتمكن بوستروم من تصوير الجسد المذبوح من الذقن الى اسفل السرة. بعد مرور تسعة اعوام على الحادث نشرت دار «اورد فرونت» في استوكهولم كتاب بوستروم المصور «ان شاء الله» وحظي موضوع اغتيال بلال بمكانة واسعة في الإعلام السويدي وفي «الحياة» التي نشرت عرضاً مفصلاً للكتاب آنذاك. الا ان اسرائيل الرسمية والإعلامية لم تعط اهتماماً لما نشر بوستروم في ذلك الوقت. اعاد المصور والكاتب السويدي بوستروم نشر جزء من تحقيقه المصور في 17 آب (اغسطس) الماضي في صحيفة «افتونبلادت» السويدية وربط فضيحة الفساد والاتجار بأعضاء البشر والمتهم فيها عدد من الحاخامات اليهودية في بروكلين في الولاياتالمتحدة بما نشره قبل ثمانية اعوام. يستند بوستروم في معلوماته إلى شهادات عدد من اهالي الضحايا الفلسطينيين ويعطي حيزاً لمتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ينفي اتهامات الفلسطينيين للجيش بسرقة الأعضاء الداخلية لأولادهم. وتبين لاحقاً ان بوستروم عرض على خمس صحف سويدية اخرى نشر المقال الا انه لم يحظ الا بموافقة صحيفة «افتونبلادت». واستغربت المسؤولة عن الصفحة الثقافية في افتونبلادت اوصا ليندربورغ الحملة ضد الصحيفة ومواقف بعض الكتاب السويديين الذين اظهروا تفهماً للموقف الإسرائيلي ووصفوا المقالة ب «الإثارة»، وقالت: «هناك شبان فلسطينيون يقتلهم جيش الاحتلال. والإثارة الموجودة في المقال انه للمرة الأولى يجرؤ شخص على التكلم عن جرائم اسرائيل في مجال حقوق الإنسان». اضافت ليندربورغ: «المقال نشر في الصفحة الثقافية، ولم اكن لأوافق على نشره في صفحات الأخبار. لكن في المقال الثقافي يحق للكاتب ان يتساءل: ما الذي حصل لتلك الجثث؟». اسرائيل الرسمية لم تسكت هذه المرة. وأطلقت لسان وزير خارجيتها المتطرف ليبرمان الذي سارع الى اتهام السويد بأنها دولة معادية للسامية وأن تاريخها ابان الحرب العالمية الثانية لا يشفع لها، وأن بوستروم يعيد ما كان يشاع عن اليهود في نهاية القرون الوسطى في اوروبا انهم يقتلون اطفال المسيحيين لعجن خبز السبت بدمهم. وركب موجة الهجوم على السويد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومعه عدد آخر من السياسيين والإعلاميين الإسرائيليين. طالب نتنياهو وحكومته السويد بإدانة المقال، الا ان السويد التي يحصن دستورها الحريات، خصوصاً حرية الإعلام، رفضت الرضوخ للمطالب الإسرائيلية. دونالد بوستروم غاب عن السمع بعد تلقيه تهديدات بالقتل وصحيفة افتونبلادت لم تتراجع عن موقفها الداعم للكاتب. نشرت الصحيفة مقالات رد ونفي من الخارجية الإسرائيلية كما نبشت تاريخ ليبرمان الذي تحول من «حارس ملهى ليلي» في موسكو السوفياتية الى وزير خارجية اسرائيل بسبب دعم المتطرفين اليهود الروس في اسرائيل. الا ان السويد الرسمية التي رفضت ادانة المقال وقعت في مشكلة مع سفيرتها في اسرائيل اليزابيت بورسين بونير التي دانت المقال في رسالة الى الحكومة الإسرائيلية ونشرت نسخة عنها في موقع السفارة الإلكتروني. تبين في ما بعد ومن خلال الرسائل الإلكترونية التي تبادلتها السفيرة مع الخارجية السويدية في استوكهولم انها تصرفت من تلقاء ذاتها من دون موافقة الخارجية. وسحبت رسالة بونير من موقع السفارة وتقدم اشخاص بدعوى قضائية ضد السفيرة لخرقها قانون حرية الإعلام. على الرغم من احتدام الخلاف بين السويد وإسرائيل الا ان زيارة وزير خارجية السويد كارل بيلدت الذي تترأس بلاده مجلس الاتحاد الأوروبي لم تلغ. ويعتقد مراقبون ان قيام اسرائيل بعملية الاحتجاج المنظمة والواسعة ما هي الا هجوم وقائي على زيارة وزير الخارجية الذي يحمل تكليفاً اوروبياً بالضغط على اسرائيل لوقف بناء المستوطنات، خصوصاً في مدينة القدس. تمكنت اسرائيل من تحويل الأنظار عن مشكلة المستوطنات الى مقال نشر قبل تسع سنوات ومن ثم اعيد نشره. وينتظر الشارع الرسمي والإعلامي السويدي تصرف وزير الخارجية كارل بيلدت عندما يزور اسرائيل في الأيام القليلة المقبلة.