صحافي من بلاد الفايكنغ، من إسكندنافيا، دونالد بوستروم صحافي من السويد استهوته فلسطين وسكنته بل تملكته، منصبة نفسها مشروعاً له وقضية، هذا ما وصف به نفسه قائلاً: «فلسطين هي مشروعي وقضيتي». لم ترهبه لوبيات الغرب الصهيونية وأبواقها الإعلامية المتنفذة وسطوتها وسيطرتها، جعل رسالته «الحقيقة» مهما كان الثمن، «لن أتراجع عن مشروعي وسأستمر في كشف الحقائق حتى النهاية، لأن ما يحدث جريمة بحق الإنسانية». كانت رسالته الحقيقة ولا تزال، فاقتادته للحق على رغم أنهما ليسا متلازمين، فالحقيقة لا تعني الحق بالضرورة لكنهما فلسطينياً توأمان سياميّان. دونالد بوستروم اسم تناقله العالم كصحافي اقترف المحظور وكشف جريمة سرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين من قِبل إسرائيل. ففي مقال نشرته صحيفة «افتونبلاديت» الأكثر انتشاراً ومصداقية في السويد بعنوان «إنهم ينهبون أعضاء أولادنا» تناول فيها حادثة عايشها بنفسه إبان الإنتفاضة الأولى 1992 كان بطلها شاب فلسطيني يُدعى بلال غنَّام (19 سنة)، قتله الجيش الإسرائيلي واستولى على جثته ثم نقلها بواسطة مروحية عسكرية إلى معهد أبو كبير بتل أبيب، وبعد خمسة أيام أعيدت الجثة إلى قريته بالضفة الغربية في حالك الليل وقطعوا الكهرباء عن القرية مطالبين ذويه بدفنه فوراً. ولكن كانت المفاجأة عندما تدارى الكفن الأبيض عن جسده على القبر لتكشف عن جثة منزوعة الأسنان مشقوقة ومخيطة من البطن وحتى الذقن... فأين ذهبت أسنانه ولم شُرّحت جثته؟ وعلى حدِّ قول بوستروم فإنَّ قوات الاحتلال قتلت عامذاك 133 فلسطينياً، وشرّحت جثث 69 منهم وسرقت أعضاءهم، وكان بلال أحدهم. بوستروم ربط بين ذلك وعصابة قُبِضَ عليها في ولاية نيوجيرسي في تموز (يوليو) الماضي تقوم بالاتجار غير القانوني بأعضاء البشر، وتضم حاخامات إسرائيلية ويقودها رجل الأعمال اليهودي ليفي روزنبوم. بوستروم كان يعرف ما ينتظره ووقف منتصباً أمام هيجان إسرائيل وأدواتها في الغرب في ردة فعلهم، لم يُبال أمام اتهام إسرائيل الخطير للغاية له بمعاداة الساميّة والعنصرية وتهديده بالقتل هو وابنته، وتشبيه تحقيقه وإسقاطه على حادثة «فِرية الدم» في العصور الوسطى، والتي تقول إن اليهود كانوا يستخدمون دماء الأطفال المسيحيين في طقوسهم الدينية. وعلى رغم ذلك كله يذكر أنه في أبهى تجلياته الضميرية لأنه استند في اكتشافه إلى القانون، محملاً إسرائيل كل ما ارتُكِبَ من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، ومشدداً بقوله: «لقد حان الوقت لمعرفة حقيقة هذا النشاط المريب، ما حدث ويحدث في المناطق الفلسطينيةالمحتلة على يد إسرائيل». استفاد بوستروم من مناخ الحرية والديمقراطية في بلاده ومن القانون الأساسي السويدي الذي ينص على حرية الرأي وحرية الصحافة من دون تدخل السلطة التنفيذية، وهذا ما أكدته الحكومة السويدية على لسان رئيس وزرائها فريدريك راينفيلدت: «لا يمكن لأحد أن يطلب من السويد أن تخالف قانون حرية التعبير وحرية الصحافة في البلاد». وأذكر بالمناسبة تعبيراً للكاتب وأستاذ الإعلام السويدي ليون برخو، قال فيه «بوستروم عكَّظ (من سوق عكاظ) إسرائيل بالحجج. هذا هو سوق عكاظ السويدي الذي أهمله العرب وتلقفه بلد الفايكنغ الذين كانوا يعيشون بالكهوف عندما كان قِس بن ساعدة يُلقي خطبته الشهيرة»، وواصفاً السويد بأنها أعطت سوق عكاظ حقَّ اللجوء السياسي لديها! هنا تبرز وتتجلى قدسية مهنة الصحافة ودورها في صنع الرأي العام وتحفيزه وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية العادلة في هذا العالم، للدفع في اتجاه الوقوف ضد الظلم وإحقاق الحق ونصرته، وخصوصاً في هذه الحالة حين تعرض القضية من قِبل صحافي غربي وعبر وسيلة إعلامية غربية موجهة للغرب المغيَّب لصالح إسرائيل، عن حقيقة ما يحدث في الأراضي الفلسطينية. ويجب على العرب احتضان بوستروم وتكريمه والحذو حَذوَ الفيديرالية الوطنية الجزائرية للصحافيين التي كرّمته باعتباره مدافعاً عن القضايا العربية العادلة ومناصراً لها، وتلك فعلاً حقيقة حيث أن بوستروم زار فلسطين أكثر من 30 مرة والتقى أبو عمَّار عام 1985 في استوكهولم، وغطَّى الانتفاضتين وألّف خمسة كتب عن القضية الفلسطينية. وتعرّض في القدس للاعتداء من جندي إسرائيلي في حادثة وصفها بوستروم بأنه شعر خلالها بالموت المحتّم، وقضى في أحد المرات ليلة القدر كاملة في المسجد الأقصى رغبةً منه في تغطية المناسبة في القدس التي عشقها، وقال: «القدس في أعمالي الصحافية وأنا أحبها وهذا شرفٌ لي». حسام وعدي العسّال – بريد إلكتروني