أعود من جديد لمهنة «مدبرة منزل» أو الخادمة السعودية التي ثار ضدها الكثير، واعتبرها البعض إهانة للمرأة السعودية وتقليلا من قيمتها وجعلها تتساوى مع باقي نساء الأرض، وهناك من تساءل «هل انتهت كل المهن لنوظف المرأة السعودية خادمة»؟ بل إن أحدهم خرج على الهواء الطلق ليقول وبصريح العبارة: «لا يمكن أن نقبل رؤية امرأة سعودية تنظف في المنازل»؟ هكذا بصريح العبارة يرى أننا مجتمع لن نسمح للمرأة بالعمل في النظافة، والسؤال الذي يفرض نفسه، هل هذه رؤية الغالبية لدينا، أم رؤية الأقلية؟ أظن النزول للطرقات وسماع فاصل من الشتائم المتبادلة بين أفراد المجتمع سيجيب على هذا السؤال بشكل واضح ولا يحتاج للبس، فأنت تسمع كلمة «خادم خادمة عامل زبال» ، وهذه الكلمات تستعمل للتقليل والتحقير من الشخص، لهذا من الطبيعي أن يأتي الرفض، فكلمة خادمة لا يمكن لك سماعها بحيادية، فهي تستثير شيئا ما بداخل الفرد السعودي، لأنه تعود سماعها في إطار معين، وهو الشتيمة، لهذا هي تستفزه، وبما أنه يتعاطى معها بهذه الطريقة من الطبيعي أن تكون مرفوضة، ولا يقبل عليها أحد؛ لأنه يعرف مسبقا أن المجتمع سينظر له باحتقار، فهو يعمل بمهنة تعامل معها المجتمع على أنها شتيمة وليست مهنة. المدهش أن غالبية المجتمع يرددون أن «إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان» ، ومع هذا تجد هؤلاء المرددين حين يريد إهانة شخص ما يقول له : «يا زبال»، مع أنه من المفترض ألا يستعمل هذه الكلمة؛ لأن هذا الزبال يعمل في إماطة الأذى عن الطريق. هناك أيضا من يقول وفي لحظة غضب شاتما : «أصلك مزارع»، حتى الزراعة عمل حقير يرفضه المجتمع، لهذا وضع هذه المهنة ضمن قاموس شتائمه. يقول القارئ «زايد»: «الكثير يحتاجون لإعادة فرمتة عقولهم»، ويخيل لي وأكاد أجزم أنه صدق، فإن يصبح العمل ضمن قاموس شتائم البعض، فيما المجتمع يقبل أن يشاهد نساء ورجالا يتسولون أمام إشارة المرور أو عند الأبواب الكبيرة، دون أن يسأل أيهم أكرم العمل أم التسول؟ وهل كرامة الإنسان تمتهن ويحتقره المجتمع حين ينظف الطرقات أو البيوت، أم حين يتسول وهو قادر على العمل؟ قد أبرر تسول الفقراء، لكني لا أجد تفسيرا لما يقوم به أصحاب السيارات الفارهة حين يتسولون أرضا ليبنوا عليها مصنعا أو مركزا تسويقيا، سوى ما قاله ديستفوسكي على لسان الأب في رواية الإخوة كارامازوف: «تماما تماما، هذه هي الحقيقة، إن في إهانة المرء نفسه لذة لقد أحسنت الإفصاح عن الحقيقة، وتلك أول مرة أسمع فيها هذا الكلام، لقد ظللت طوال حياتي أهين نفسي، نشدانا للذة، بل وطلبا للجمال؛ لأن الإهانة ليست متعة فحسب بل ويمكن أحيانا أن يكون فيها جمال أيضا. الجمال .. ذلك ما نسيت أن تضيفه إلى كلامك أيها الشيخ العظيم، سوف أدون هذا في دفتري الصغير». ترى هل هناك متعة في إهانة المرء لنفسه؟ S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة