عاش نحو خمسة آلاف من أهالي مكةالمكرمة ليلة أنس جمعت بين عبق الماضي وأريج الحاضر، حيث التقى عمد أحياء مكة القديمة من كبار السن بأبناء هذا الجيل في احتفالية «الشعبنة» التي نظمها عمدة وأهالي حي الهجلة مساء البارحة الأولى. وحرص عمدة حي الهجلة محمود بيطار ورئيس مجلس الحي الدكتور بكري عساس على إنشاء قرية تراثية احتوت على مختلف الأكلات والمهن والحرف اليدوية، وأسهمت هذه القرية في تذكير الناس بتاريخ مكةالمكرمة القديم وحياة البسطاء من أبنائها وأسواقها، حيث جسدت تلك المرحلة بالصوت والصورة في عرض مسرحي. كما حرص المنظمون أن يشارك كبار المهتمين بالحرف اليدوية، وقد أبدعوا في تجسيد صورة تلك الحياة التي عاشتها مكةالمكرمة في أحيائها القديمة في المدعى والشبيكة والفلق حارة الباب وحارة النقا. ومكنت هذه الاحتفالية السنوية زائري القرية التراثية من الوقوف على تاريخ مكةالمكرمة وعادات وتقاليد سكان البلد الحرام لعقد من الزمن. الاحتفالية التي اعتاد أهالي مكةالمكرمة على إقامتها منذ القدم ابتهاجا بقدوم شهر رمضان المبارك تحولت إلى كرنفال فريد من نوعه، حيث امتزجت حضارات جيلين في قرية تراثية أقيمت في هذه المناسبة شملت 60 موقعا حملت أرث الآباء والأجداد، وضمت أكلات شعبية مثل الفول والتميس والمنتو والمبشور والمنفوش والمطبق والمقادم والبليلة ورؤوس المندي، ومصنوعات حرفية مثل: الصباغة، القطانة، والعطارة. كما حوت القرية التراثية متحف المخطوطات القديمة والقطع الأثرية النادرة من تلك التي تختص بهوية البيت المكي في الماضي. مدير جامعة أم القرى الدكتور وليد حسين أبو الفرج ذكر أثناء جولته في القرية التراثية أن مكةالمكرمة هي المدينة الوحيدة التي يفد إليها من كافة أنحاء العالم منذ بزوغ فجر الإسلام، مما أكسبها خليطا من اللغات واللهجات والنكهات والعادات التي نقلت من بلدان إسلامية عبر المعتمرين والزوار الذين يفدون إليها في كل عام، موضحا أن ما شاهده من تاريخ وإرث تراثي في القرية التراثية يعد مكسبا حقيقيا لأهالي مكةالمكرمة الذين استطاعوا أن يستوعبوا كل الثقافات والتقاليد وتفاعلوا معها في صورة راقية تعكس رقي الإنسان المكي، مؤكدا أن هذه الاحتفالية جمعت كافة أطياف المجتمع، وهذا دليل على الترابط الاجتماعي الذي تتميز به مكة وساكنها. المجس الحجازي والألوان الشعبية مثل الصهبة والمزمار كانت حاضرة في الاحتفالية التي حضرها وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية الدكتور أبو بكر باقادر، وسفير خادم الحرمين الشريفين في الأرجنتين عصام بن عابد الثقفي، ومدير إدارة الدفاع المدني العميد جميل أربعين، وعدد من الممثلين والمخرجين المسرحيين، وشارك الحضور في رقصة المزمار في ملتقى ثقافي ومهرجان للتراث والتاريخ المكي، وتابعوا فقرات الحفل الخطابي الذي أعد في هذه المناسبة، حيث أكد العمدة محمود بيطار أن أهالي ومركز حي الهجلة يحرصون في كل عام على إقامة هذه المناسبة انطلاقا من حرصهم على توفير بيئة حاضنة للعمل الاجتماعي والإنساني ليكون هذا الملتقى فرصة لتنقية النفوس قبل دخول شهر رمضان المبارك.