بينما استعد غالبية السعوديين لاستقبال رمضان بالإقلاع عن عادات معينة سواء كانت سيئة أو مثبطة عن العبادة، احتفل آخرون قبل أن يدخل الشهر الكريم بطريقة مختلفة، تتناقض مع طقوس رمضان تماماً، عبر إحياء حفلات راقصة وإقامة مأدبات للعشاء وجمع الأصدقاء أو الصديقات للرقص في حفلة موسيقية! هذه التصرفات - أو الحفلات - يدخلها أصحابها في نطاق ما يسمى «الشعبنة»، وهي الاحتفال في شعبان بقدوم رمضان، وهي عادة قديمة من التراث، لكن فرقاً شاسعاً يكمن بين «شعبنة» اليوم والماضي، التي كان يجتمع فيها الأقارب على موائد كبيرة للم الشمل وتصفية النفوس استعداداً لرمضان. أما شعبنة اليوم، فلا تكاد تخلو من متخصص في الموسيقى (دي جي) ترقص على نغماته الفتيات المجتمعات لتوديع المتع واللهو استعداداً للتقوى الرمضانية، فضلاً عن ما يحدث من إسراف في موائد الطعام والزينة والتكلف بإقامتها في فنادق واستراحات، لدرجة تصل إلى تجاوز كلفتها بعض حفلات الزواج. تعود الشعبنة في أصلها على ما يبدو إلى عادة «حجازية» قديمة، إذ كان الحجازيون سابقاً يحرصون على إقامة تجمعات وموائد مع انتصاف شهر شعبان وحتى آخر أيامه لجمع أفراد الأسرة في منزل كبير العائلة لزيادة التواصل بين أفرادها والاحتفال بقدوم شهر رمضان وحل الخلافات التي نشبت بين بعضهم، ليدخلوا جميعاً شهر رمضان بنفوس طيبة. يحكي عمدة حي الهجلة في مكةالمكرمة محمود بيطار ل«الحياة» قصته مع «الشعبنة»، فيقول: «أقيم كل عام في آخر أسبوع من شهر شعبان تجمعاً يهدف إلى التقاء الأصدقاء والأقارب والأهالي، كما اعتدنا رؤية أجدادنا يقيمونها احتفالاً بقدوم شهر رمضان ويطلق عليه الشعبنة، لتصفية نفوس أفراد المجتمع والأسر قبل دخول شهر رمضان». ويوضح بيطار «أن هذا المسمى جاء من خروج أهالي منطقة الحجاز إلى الشعاب والأودية والبساتين وإقامة الاحتفال ليوم أو يومين، تقدم فيها الوجبات الشعبية القديمة المتعارف عليها لدى المنطقة (الفول والمعصوب والمطبق والكبدة والهريسة واللقيمات والحلويات بكافة أشكالها والمنفوش والبليلة وروس المندي) وبعض الألعاب الشعبية القديمة كالمزمار وغيرها، أما الآن اختلفت الاحتفالات وطرقها ولكنني حاولت المحافظة على الطرق القديمة». ويضيف: «قدمت صورة حقيقية لواقع الحياة القديمة في مكة، بتنفيذ حارة مكية قديمة بشكلها الحقيقي تتواجد فيها المحلات التجارية والمطاعم والدكاكين وأولاد الحارة القديمين، ليحاكي الأجيال الجديدة ويريهم صعوبة الحياة مع أبائنا وأجدادنا، وتذكير بالمهن القديمة التي كانوا يمارسونها كالحلواني والجزار والخضري والفكهاني وطرق استعداداتهم لاستقبال هذا الشهر، ولتذكيرهم أن هذه المهن ليست عيباً». ويتابع: «قدمت أوبريتاً يحاكي الماضي القديم ويصور الحياة حينها، من تكاتف أبناء الحارة الواحدة والاجتماعات فيما بينهم، وتناصفهم رغيف الخبز، وعطفهم على الكبير واليتيم ورحمتهم بالصغير، وأقمت متحفاً تراثياً للعملات القديمة التي كانت متداولة في وقت مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز، وعرض لبعض السيارات القديمة والكتاب وتصور للكتاتيب قبل وجود المدرسة». وعن الاحتفالات الحديثة توضح آلاء محمد أن بعض النساء يقمن تجمعات لأفراد العائلة كافة، ويتناقشن في أمور كثيرة في الحياة وجديدها، وأخريات من الشابات يقمن احتفالات فيما بينهن في إحدى القاعات أو الاستراحات، ويجمعن مبلغاً مالياً لدفع جميع التكاليف من مطربة أو إحضار «دي جي» وتقديم العشاء، ويدعون جميع صديقاتهم لحضور هذا الاحتفال لتبدأ الطقطقة والرقص والوناسة منذ ساعات الفجر الأولى وحتى الساعة الثامنة صباحاً، وبعض من المدعوات يحضرن الاحتفال بارتداء فساتين السهرات ويتكلفن كأنهن متجهات إلى زواج».