إن الطريقة التي انتشر بها خبر (وباء انفلونزا الخنازير) تجعل الأمر محيرا فعلا. المرض اكتشف في المكسيك، وانتشر في أمريكا، وبدأ يغزو عشرات الدول، وهو يسبب الوفاة، وحسب التصنيف العالمي يعد وباء، والمنظمة الدولية أقرت بهذا، ورفعت التحذير منه إلى أعلى مستوى، بل وأكدت أنها لم تر وباء أشد انتشارا منه، واتخذت الدول إجراءات الحيطة ولا فائدة. وانعكس ذلك على تربية الخنازير، وتعداها إلى الاحتفالات والمواسم ومناسك الحج والعمرة. وفي المقابل، نعلم أن ما توفي من جراء هذا المرض حسب الإعلام ما يقل عن (ألف نسمة) في حين أن ثمة أمراضا يموت منها سنويا مئات الآلاف، وهي لم تصنف هكذا (وباء شديد الانتشار!!). ثم تعلن المنظمة الدولية عن وجود عقار ناجع لهذا الوباء «الخنازيري»، وهو المسمى ب(تامي فلو)، وهذا الاسم التجاري الذي تنتجه شركة روتش، وكان من الطبيعي أن تعلن المؤسسة (الدولية) عن الاسم العلمي للعقار لا عن الاسم التجاري له، أفلا يشير ذلك إلى نوع من التواطؤ بين المنظمة والشركة التي في مجلس إداراتها أصحاب نفوذ عالمي، وعلى رأسهم (رامز فيلد) وزير الحرب الأمريكي الأسبق. وكلما زاد حديث الإعلام عن خطورة الوباء كلما زادت مبيعات (تامي فلو) الذي يباع بنحو (100) دولار، وزادت في المقابل أرباح الشركة التي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات. ولما أعلنت بعض الدول عن دواء بديل بقيمة 12 دولارا، وأعلن أن الفيروس بدأ يقاوم ال(تامي فلو)، فإن التغطية الإعلامية المكثفة للوباء بدأت تخفت وفي طريقها للنهاية، وتنتهي لأنها ستؤثر قطعا في مبيعات تامي فلو الذي سارعت الدول بشراء كميات كبيرة منه وتخزينها. هل يمكننا القول: إن هذا الوباء ضخم إعلاميا بشكل ملفت، هل يمكن للشعوب أن توازن قليلا بين ما تسمعه وبين ما تشعر به؟. لقد انتشرت (حمى الضنك) في منطقة مكة، وهي مصنفة عالميا على أنها حمى وبائية لأنها تؤدي إلى الموت، وينقلها بعوض لا يمكن السيطرة عليه بشكل كاف، ولم نجد هذه الضجة الإعلامية عنها إلا في حدود أماكن تواجدها ومتأخرة عن وقت ظهورها بمدة كبيرة. ولم نسمع أحدا يفتي بعدم الخروج من أماكن انتشارها، أو يحذر من الدخول إليها. إذن فالإعلام أقوى من العقل أحيانا، والوباء الإعلامي أشد من الوباء الحقيقي. أ. د. عبد الله بن حسين الموجان مكة المكرمة