يقال: الجاهل عدو نفسه، وفي رواية أخرى: المرء عدو ما يجهل. من المحزن أن ترى شخصا مصرا على جهله متعنتا رافضا أي مساعدة تعرض عليه ولو كانت فقط بقصد التوضيح بعيدا عن الإجبار وفرض الرأي ولكن الكارثة المفجعة تحدث عندما يتخطى الجهل حاجز الإيذاء الفردي ليتم قولبه بشكل أعوج حتى يفرض غصبا على مجتمع بأكمله. هذا ما يحدث الآن بين ظهرانينا، حيث نقلت لنا آخر الأخبار قيام مجموعة من السيدات السعوديات بإنشاء حملة أطلقن عليها اسم «ولي أمري أدرى بأمري» واصفاتها بأنها «حملة وطنية للتصويت»، غني عن الشرح كما يتضح من عنوان حملتهم هدف الحملة الرئيس هو تأكيد نقصان أو ربما انعدام أهلية المرأة التي يتوجب عليها تسليم أمرها طواعية للرجل ولي الأمر الأدرى والأعلم بمصلحتها. من أبرز ما جاء في خطاب هذه الحملة إعلان أسفهم عن أفعال قلة ممن يثيرون مطالب تحريرية لا تتفق مع الشريعة الإسلامية رافضين كل المطالب الجاهلة والكيدية التي يطلقها دعاة التحرير. من المعيب والبعيد عن المهنية الصحفية أن أطالب بإقصاء خطاب جماعة ما لا تتوافق مع قناعاتي الشخصية فحرية الرأي لا تتجزأ. ولن أسهب في الحديث عن عموميات حقوق المرأة السعودية التي تعاني بشكل رئيسي من مفهوم نقصان أهلية المرأة وولاية الرجل المطلقة التي كتب وسيكتب عنها الكثير كما تطرقت في مقالي السابق لنفاق المجتمع وصمته على جرائم القتل التي يقوم بها أولياء الأمور خفية وأيضا لن أخوض في النظريات النفسية للوقوف على أسباب كره بعض النساء لبنات جنسهن. النقطة المفصلية هنا والتي تنسف بشكل قاطع هذه الحملة ومثلها من مطالبات هو مأخذ قانوني شرعي بحت حيث تتعارضها بشكل صارخ مع جهود المملكة في تحسين وضع المرأة كجزء من حقوق الإنسان وهو مانصت عليه المادة 26 من النظام الأساسي للحكم وأيضا يتعارض كلية مع الاتفاقية الدولية بالقضاء على التمييز ضد المرأة (السيداو) التي انضمت إليها المملكة في 12 ديسمبر 2000م. وقت توقيع الاتفاقية أوردت المملكة تحفظا عاما على أي نص من نصوص الاتفاقية يخالف أحكام الشريعة الإسلامية وتحفظت على فقرتين فقط إحداهما خاص بحق منح الجنسية لأطفال الأم السعودية من أجنبي والفقرة الأخرى تسمح بعرض أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول المنضمة إلى الاتفاقية على محكمة العدل الدولية. قامت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ببحث قانوني شرعي مهم للغاية أسمته «دراسة مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية» للبحث انطلاقا من تخصصها وتنفيذا للمهمة التي ألقيت على عاتقها من قبل ولاة الأمر، حيث أوضح رئيس الجمعية د.بندر الحجار في مقدمة الدراسة أن المادة الثالثة من نظام الجمعية الأساسي تنص على مهمة الجمعية «التأكد من تنفيذ التزامات المملكة تجاه قضايا حقوق الإنسان، وفق ما ورد في إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام وميثاق الأممالمتحدة والمواثيق والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان». الدراسة شملت أيضا ثلاث اتفاقيات أخرى وهي الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل ولخصت إلى حقيقة جلية للقائمين على الدراسة الذين اعترفوا بالآتي: لطالما اعتقدنا أن اتفاقيات حقوق الإنسان العالمية ذات النزعة الغربية هي معبر لمخالفة أحكام الشريعة الإسلامية. لكن هذه الدراسة أثبتت عكس ذلك، فلم نجد انتهاكا لقواعد الشريعة يستلزم الوقوف عليه واتخاذ موقف رافض لهذه الاتفاقيات ككل. ولقد بحثنا وحللنا النصوص التي يمكن أن تبدو مخالفة لأحكام الشريعة، ووجدنا أن عددها محدود للغاية وأغلبها يمكن تفاديه وإيراد تحفظ عليه. كما شددوا على أن الكثير من هذه الاتفاقيات لا تصطدم في الواقع بالشريعة الإسلامية بل بالنظرة الاجتماعية التي تمتهن المرأة. وحيث أوضح التقرير تحديدا أن وضع المرأة أمام المحاكم والمبالغة الشديدة في مسألة الولاية عليها والتي أدت عملا ونظاما إلى اعتبارها ناقصة الأهلية بطبيعتها، لا تستند إلى الشريعة في شيء. وإنما ترتكز على موروثات اجتماعية وثقافية في المقام الأول. كما أوصت الدراسة صانع القرار إلى التوصية بالتخلي عن أسلوب إيراد تحفظ عام على أي نص يخالف أحكام الشريعة دون تحديد. الدراسة هامة جدا وواضحة ومن الصعب تلخيصها في مقال، كم أتمنى أن تطبع بكميات تجارية وتوزع في المراكز التجارية والمساجد وأماكن تجمع النساء عوضا عن الكتيبات التي تسهب في شرح أنواع العباءات التي تقود الطريق التهلكة والبنطال والشعر القصير.. إلخ. بالموازاة مع الدراسة التي قامت بها الجمعية بشكل مستقل كجهاز أنيط على عاتقه المراقبة قامت هيئة حقوق الإنسان وهي الجهة الحكومية المرتبطة بمجلس الوزارء بالمثول أمام لجنة السيداو في جنيف العام الماضي مقدمة تقرير المملكة عن المرأة السعودية ومناقشة الخطط المستقبلية لإدراج الاتفاقية كجزء من أنظمة الدولة حيث أكد رئيس الوفد حينها ونائب رئيس الهيئة د.زيد الحسين أكد أكثر من مرة، كما توثق الأوراق الرسمية للجلسة الموجودة على الإنترنت في موقع مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة على عدم وجود أساس قانوني لنظام ولي الأمر.. مرجعا ذلك الى عادات وتقاليد خاطئة.. مؤكدا أن المملكة تعمل على تحسين الصورة النمطية عن المرأة بين أفراد المجتمع. إذا بالعودة إلى صاحبات الحملة إياها اللواتي صرحن بأملهن معاقبة كل من يتجرأ بإشاعة الفتن بين الناس أن يعدن حساباتهن فالمطالب «الجاهلة» التي يرفضنها هي جزء مفصلي من سياسة الدولة والقيادة لا مساومة ولا حياد عنه. من الذي يثير الفتن ويفرق الصف هنا؟ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 249 مسافة ثم الرسالة