أثار رفض السلطات البريطانية مؤخراً- منح تأشيرة دخول للداعية الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي استياء كبيرا في العالم الإسلامي بالنظر إلى أن هذا الرجل طالما عرف عنه الاعتدال ولم يسبق وأن رفضت أية دولة أوروبية استقباله على أراضيها، بل إنه كان قد زار بريطانيا ذاتها في 2004 واستقبله حينها عمدة لندن بحفاوة بالغة. ورغم أن لندن عزت السبب في هذا الموقف الغريب إلى تأييد القرضاوي للمقاومة ودعمه ما أسمته (العمليات الإرهابية)، إلا أن المتابع للتصريحات والتقارير التي صدرت في الغرب في الآونة الأخيرة حول انتشار الإسلام بشكل غير مسبوق يدرك أن المستهدف الحقيقي هو الإسلام وليس شخص بذاته خاصة وأن القرضاوي قبل 2004 كان يدعم المقاومة أيضا كما أشارت تقارير صحفية إلى أنه كان يعتزم زيارة بريطانيا بغرض العلاج، أي أنه لم يكن في نيته ممارسة أي مهمات تتعلق بالدعوة الإسلامية. وهناك من الدلائل الكثير في هذا الشأن، ففي ديسمبر 2007 ، حذر بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر من انحسار الهوية المسيحية لأوروبا في ظل انخفاض معدل المواليد وزيادة عدد المهاجرين المسلمين، مدافعا خلال خطاب ألقاه في قداس أقيم بالعاصمة النمساوية عما اعتبره (حق الكنيسة الكاثوليكية في نشر رسالتها التبشيرية) بين غير المسيحيين وأصحاب المذاهب المسيحية الأخرى، وبذل الجهد في سبيلها حتى الموت. والمقصود هنا التبشير بين المسلمين، فالأمر تجاوز التقييد على هجرة المسلمين إلى السعي لتنصير من هو موجود هناك منهم، وهذا برز بوضوح أيضا في التحذير من (أسلمة أوروبا) والاستهانة بالمخاطر الناجمة عن انتشار الإسلام الذي أطلقه جورج جينزفاين (السكرتير الشخصي) للبابا بنديكت السادس عشر خلال تصريح أدلى به لصحيفة (زود دويتشه) الواسعة الانتشار بألمانيا في 27 ديسمبر 2007 . وفي السياق ذاته، كشف الباحث الأمريكي دانيل بايبس في دراسة له أن تزايد أعداد المسلمين في أوروبا يمثل خطرا على مستقبل القارة وينذر بأسلمة القارة العجوز ومن شأنه أن تكون له نتائج سلبية كبيرة على الولاياتالمتحدة التي تربطها بأوروبا روابط اقتصادية حساسة. ووفقاً للدراسة التي نشرت في 25 ديسمبر 2007 فإن مستقبل القارة الأوروبية مرهون بثلاثة سيناريوهات هي (الحكم الإسلامي) و(طرد المسلمين) و(التكامل المتناغم)، متوقعا أن ينتهي الحال في أوروبا ب (أسلمتها)، أي أن السيناريو الأول (الحكم الإسلامي) هو الأقرب للتحقيق، وكانت مبرراته أن هناك ثلاثة عناصر تدفع إلى أسلمة أوروبا، وهي (العقيدة، والديمجرافيا السكانية، والإحساس التاريخي)، ولذا فإن المسيحية في أوروبا تتضاءل ويفوق أعداد المسلمين الذين يذهبون إلى المساجد يوم الجمعة أعداد المسيحيين الذين يذهبون للكنائس يوم الأحد. أما بالنسبة للسيناريو الثاني وهو (طرد المسلمين) ، يرى بايبس أنه الأنسب للتخلص من المسلمين إلا أنه قد لايحقق نجاحا كبيرا بالنظر إلى انتشار الإسلام بين الأوروبيين من غير المهاجرين، مشيراً إلى أن هذا السيناريو كان قد ظهر جليا في حظر فرنسا ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات، وإزالة القيود حول الأعلام القومية والرموز المسيحية، والاستمرار في خدمة تقديم النبيذ أثناء العشاء الرسمي، رغم اعتراض المسلمين على ذلك. والسيناريو الثالث وهو (التكامل المتناغم) يشير إلى أن المهاجرين المسلمين والأوروبيين سوف يجدون (طريقة للتعايش)، والعيش سويا (بشكل متناغم)، لكن الدراسة قللت من فرص نجاحه أيضا في ظل تصاعد العنصرية ضد المسلمين. هذا، وقد أكد المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة صحة ما سبق حول انتشار الإسلام في أوروبا، حينما كشف مؤخرا أن 10% من كنائس انجلترا معروضة للبيع، وفي ألمانيا توقف القداس في 100 كنيسة أي 30% من كنائس إبراشية آيسين وحدها، وفي إيطاليا بلد الفاتيكان غنت مادونا في إحدي الكنائس التاريخية بعد أن تحولت إلي مطعم وملهي ليلي، مضيفا أن تلك المؤشرات تدل علي إفلاس الكنائس الغربية في عقر دارها. وجاءت الدعوة التي أطلقها رئيس الكنيسة الانجليكانية روان ويليامز في 8 فبراير 2008 والتي اقترح خلالها تطبيق الشريعة الإسلامية في بعض المجالات ببريطانيا بمثابة نصر جديد للإسلام في عقر دار الغرب ، وكان الدكتور روان وليامز قد ذكر لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن تبني بعض أحكام الشريعة الإسلامية في بريطانيا أمر لا مفر منه وأن على الناس التعامل بذهن منفتح مع الشريعة الإسلامية. والدراسات والتصريحات السابقة إن كانت تنم عن شيء فإنما تؤكد أن انتشار الإسلام بات أمراً ملموساً لا يقبل التشكيك ولذا يتوقع أن تزداد جرائم العنصرية ضد المسلمين في شتى أنحاء أوروبا خلال الفترة المقبلة، وما حدث مع القرضاوي وأبو حمزة المصري يؤكد هذا. فمنع القرضاوي من دخول الأراضي البريطانية جاء متزامنا مع توقيع وزيرة الداخلية البريطانية جاكي سميث في 7 فبراير أمراً يمهد الطريق لتسليم إمام مسجد لندن السابق أبو حمزة المصري إلى واشنطن التي تطالب به لمحاكمته بتهمة إقامة اتصالات بتنظيم القاعدة من خلال تزعم معسكر لتدريب من أسمتهم الإرهابيين في ولاية أوريجون بين عامي 1998 و2000 والتخطيط للقيام بعملية لاحتجاز رهائن في اليمن. ورغم أن أبو حمزة المصري - الذي يقضي حاليا عقوبة بالسجن سبع سنوات أصدرتها بحقه محكمة أولد بيلي في فبراير 2006 بعد إدانته بالتحريض على الكراهية العرقية - يحمل الجنسية البريطانية وتحظر القوانين تسليمه لأمريكا إلا أن الموافقة الأخيرة تعني أن بريطانيا ستفعل كل ما بوسعها للحد من انتشار الإسلام وللحفاظ على هويتها المسيحية سواء كان ذلك من خلال مواصلة الاعتقالات في صفوف الجالية المسلمة التي كانت قد بدأتها منذ أحداث 11 سبتمبر أو من خلال إجراءات التقييد على ممارسة العبادات وتواجد الدعاة على أراضيها. في 7 فبراير 2008 ، أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أنها رفضت منح الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي تأشيرة دخول، وقالت في بيان لها: (بريطانيا لن تتسامح مع وجود شخص مثل القرضاوي على أراضيها بسبب آرائه المتطرفة ودعمه للأعمال الإرهابية، ووجوده فيها سيؤدي إلى انقسامات في المجتمع). وسارع رئيس المجلس الإسلامي في بريطانيا محمد عبدالباري إلى انتقاد القرار، وقال محذرا:(أخشى أن يبعث برسالة خاطئة إلى المسلمين حول العالم حول المجتمع البريطاني وثقافته)، واصفا القرضاوي برجل الدين الذي يحظى بالاحترام في العالم الإسلامي. وكان زعيم حزب المحافظين المعارض ديفيد كاميرون قد استبق الزيارة بوصف القرضاوي في تصريحات أدلى بها في مطلع فبراير بأنه (خطير ومثير للانقسام في المجتمع، طالبا من رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون منعه من دخول بريطانيا. يذكر أن القرضاوي كان قد زار بريطانيا عام 2004، ودافع خلال مقابلة أجرتها معه هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي على هامش الزيارة عن الهجمات الفلسطينية داخل إسرائيل ورفض وصفها بالانتحارية، قائلا:إنها (استشهادية في سبيل الله)، ورغم أن اليهود احتجوا على السماح بزيارته بزعم أنه معاد للسامية إلا أن عمدة لندن رحب به ودافع عن زيارته واصفا إياه بأنه أحد وجوه الإسلام المعتدل.