بالأمس ذابت شمعة من الشمعات القليلة المتبقية في هذا الزمن من زمن الرعيل الأول الذي عاش ينير الطريق للآخرين، بالأمس كان الوالد رحمه الله تعالى ألف رحمة ينظر إلى الجميع نظرة الوداع التي لم أستطع أن أراها ولا أتلقاها مع إخوتي نظرا لتواجدي خارج المملكة لأداء عملي المكلف به، فلقد حرمت من تلك النظرة نظرة الوداع الأخيرة كما حرمت من حمله والوقوف على قبره حيث لم تكن طائرات متوافرة في البلد الأفريقي الذي أقيم فيه على وجه السرعة؛ لأصل قبل أن يوارى الثرى. كم هي لحظات عصيبة جداً عندما تفتقد عزيزاً لديك، وكم هي لحظات أصعب عندما لا تستطيع أن تلقي عليه ولو حتى النظرة الأخيرة قبل أن يوارى الثرى. هي لحظات صعبة على جميع محبيه وأصعب بكثير على من لا يستطيع حتى إلقاء تلك النظرة لظروف خارجة عن إرادته ويشعر بأنه لا يستطيع عمل شيء، كالمشلول الذي لا يجد من يساعده على السير ولا يستطيع الحراك، هو صراع ما بين أداء واجب وظروف تحتم عليك البعد ولكن عزائي فيه رحمه الله رحمة واسعة التي ندعو الله سبحانه وتعالى أن تشمله وإني كنت قريباً منه قبل انتقاله للرفيق الأعلى بشهرين، عزاؤنا جميعاً عند محبيك بأنك إلى اللحظة الأخيرة وأنت على ما أنت ما فيه من وضع صعب محرج نحمد الله سبحانه كلما سألك عن أحوالك وصحتك عزاؤنا نحن أبناؤك ومحبوك أن الجميع يثنون عليك ويدعون لك بالرحمة الواسعة، عزاؤنا بأننا ولله الحمد لم نجد إنساناً قال: إن والدكم أساء إلي. عزاؤنا أنك تركت كنزاً كبيراً لا يفنى من محبة الناس المقربين والأصدقاء من الأحفاد الصغار بكوا عليك لأنهم شعروا بك وبإنسانيتك، وكأنك آليت على نفسك برفيقة حياتك الوالدة رحمها الله تعالى عليها في نفس هذه الأيام التي انتقلت فيها للرفيق الأعلى قبل عامين. رحمكما الله وأسبغ عليكما وعلى موتى المسلمين من رحمته الواسعة؛ لتنير لكما ظلمة القبور وليس لنا إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. خالد بن عمر عبد ربه