لا أمل من العودة إلى مثل هذه القضية؛ لأن الخلل فيها يؤدي إلى تكرار في النتائج السلبية والمحبطة للوجود الإسلامي في عالم اليوم، والمسألة تتصل بما يمكن أن نسميه «التوزيع الديموجرافي للدعاة»، لأن هناك خللا واضحا في هذا الموضوع، فتجد في بلد صغير نسبيا في عدد سكانه لا يتجاوزون المليون نسمة عددا من الدعاة والعلماء أكثر بكثير من المتواجدين في بلد عدد سكانه يتاخم المليون نسمة أو يزيد، الأمر الذي يؤدي إلى فراغات واضحة في الوعي الإسلامي تبدو صورتها أكثر خطورة في مناطق الأطراف من العالم الإسلامي، فينتشر الجهل ومعه الانحرافات العقدية، أو تنتشر عمليات التنصير على نطاق واسع أو محاولة بعض الطوائف المغالية نشر أفكاره وعقائدها استغلالا لهذا الجهل، ولقد استمعت خلال الأسبوع الماضي إلى تقرير مخيف عن حجم عمليات التنصير في إندونيسيا على سبيل المثال ونشر الأفكار العقائدية المنحرفة، وكذلك تدني الوعي الديني على مستوى الملايين هناك، ليس بالمفهوم العام للوعي الديني بل بالمفهوم المنهجي الأولي، أي أسس الدين وقواعده، وكان أمرا مروعا حجم عمليات التنصير التي تقوم بها كنائس أوروبية في إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان، والعدد الكبير من المنصرين الأجانب الذين يجوبون البلاد ويجتالون الناس عن دينهم، وبالمقابل حجم الجهالة وغربة الدين على الجانب الإسلامي، وقلة العلم الشرعي بل ندرته في بعض الجزر، يحدث هذا في جزء من «الجسد الإسلامي» بينما أجزاء أخرى تعاني من التخمة العلمية والدعوية إن صح التعبير، وهي تخمة أحيانا تنتج سلبيات لا حصر لها من تشقيق قضايا والانشغال بهوامش القضايا وفضول الكلام، يصاحب ذلك كله الكثير من الشقاقات والصخب الخلافي في قضايا عدة دون داع، وإنما هو الفراغ من قضايا كلية وكبيرة، وضعف الشعور بالتحديات التاريخية الفاصلة في حياة الأمة، ومن ثم فهذه دعوة لعقلاء الأمة أن يعيدوا النظر في مجمل هذا المشهد، لكي يعاد توزيع جهود الدعوة والدعاة على خريطة العالم الإسلامي، ومن الممكن أن يتولى بعض الخيرين الإنفاق على هذه العملية المهمة للغاية، بحيث يتقاضى الدعاة والعلماء الذين يتركون مناطق اليسار والسعة مثل الخليج مثلا أو أوروبا إلى المناطق الأقل سعة ويسرا نفس الحقوق المادية التي كانوا يتقاضونها إن لم يكن أكثر، بما يكفل لهم الاستقرار المادي والنفسي وكرامة العيش، وأيضا يبتعث آخرون من مصر والمغرب والشام وغيرها من حواضر الإسلام خاصة خريجي الأقسام المهتمة بالأقليات، ولا بد من النظر في تنشيط بناء المؤسسات التعليمية العليا في مناطق الأطراف من العالم الإسلامي بحيث تخرج علماء ودعاة محليين على مستوى عال من الكفاءة، يستطيعون أن يتولوا هم مستقبلا قيادة حركة الإحياء العلمي والديني في بلادهم والتصدي للأخطار الداهمة التي تهدد البلاد وتدمر أجيال المسلمين. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 110 مسافة ثم الرسالة