ماذا يمكن أن يحدث لحلم مؤجل؟ لنفكر سويا في إجابة محتملة للسؤال أعلاه. أحلامنا الصغيرة تلك التي ما فتئنا نؤجلها يوما بعد يوم لاصطدامها بحاجز الواقع الصارم فنضطر صاغرين إلى إخفائها في أدراج وأقبية خلفية نختلس النظر إليها والعمر يتقدم بنا ولا يقف، يا ترى هل يحتفظ الحلم المؤجل بطزاجته الأولى رغم مرور السنين؟ هل يبقى نضرا غضا لا يشيخ شاهدا على زمن أخضر تجرأنا فيه على الحلم؟ تساؤل مشروع حاول الشاعر الأمريكي الأسود لانغستون هيوز الإجابة عليه في إحدى أشهر قصائده «حلم مؤجل»، هيوز أحد أبرز الأدباء الأمريكيين السود الذين ساهموا في تأسيس الثقافة والأدب الأفريقي الأمريكي الذي رفض الانصياع لثقافة الرجل الأوروبي الأبيض والانصهار بها. ولأن قوة الأدب الحقيقية تكمن في قدرة الكلمات على تخطي حواجز اللغة والعرق والحالة الآنية الذي أحاطت بالعمل الأدبي حينها ترجمت القصيدة التي تبدأ بالسؤال أعلاه والتي سأورد أبيتاها هنا علنا نجد بين طياتها إجابة شافية لحلم سعودي مؤجل لازال غضا طريا في عيون مريده من الجيل الشاب. يحلم غالبية شباب وشابات هذا البلد بسلسلة لاتنتهي من الضروريات كوظيفة تقيهم غلاء العيش لكماليات لن تكفيها مقالات لتعدادها حالهم في ذلك حال بقية أترابهم حول العالم. حسنا لن أتحدث هنا عن أي من هذه الأحلام في الحقيقة لا أعتقد أن هذه الآمال تسمو لمرتبة الحلم. كل تلك الماديات التي يسعي المرء لامتلاكها لا يسعنى أن أصنفها في خانة الحلم الذي أعتقد أنه أسمى وأغلى من كل الأموال لأنه يحمل ببساطة حلم الإنسان في حرية العيش كما يريد. حلم اجتماعي إذا؟ كلا...أبدا، بل إنساني محض اتفقت 48 دولة حول العالم في اجتماع الجمعية العامة في الأممالمتحدة عام 1948 لوضع قواعد هذا الحلم فيما بات يعرف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ملخصة أحلامنا في ثلاثين مادة. النخبة الشابة السعودية «المدوِّنة» تتركز أحلامها بشكل خاص في المادة التاسعة عشرة والتي تنص على الآتي: «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير» هذا الجيل الشاب الذي أخذ على عاتقه استغلال المساحة التي يوفرها الفضاء الافتراضي الواسع للتعبير عن آرائه وللسعي نحو أخبار وآراء لم تتوافر له في صحافة يعتقد أنها لا تواكب وتعبر عن أحلامه بل وعن حاضره يا ترى مالذي يمكن أن يحصل لحلمه المؤجل؟ دعونا نرجع لسؤال هيوز الاستهلالي في بداية القصيدة حيث يظل يتسائل: هل يصيبه الجفاف كحبة زبيب تحت الشمس؟ أو ينز قيحا كجرح ثم يمضي هاربا؟ هل يتعفن كقطعة لحم نتنة؟ أو يكتسي بقشرة قاسية وسكر فائض كحلوى دبقة؟ ما الذي يريده هؤلاء المدونون على أية حال؟ لست هنا بمعرض التنظير عن التدوين ومستقبل الصحافة الورقية والثورة الإلكترونية القادمة واختفاء الكتاب وغيرها من المواضيع الذي أشبعنا بها الكاتب السعودي بل وأتخمنا بقراءة سطحية مضحكة أقل ما يقال عنها أنها لا تفقه في أبجديات الصحافة شيئا، لاحظوا معي جزئية الرعب الهيتشكوكي من احتمال اختفاء الكتاب الورقي في حين أن الكتاب بالأساس مختف عن مكتباتنا. أريد هنا الحديث عن الأحلام فحسب وبالحديث عنها أحلم بدوري بهديل الحضيف المدونة الشابة القاصة الجميلة التي توفاها الأجل بغتة العام الماضي واختطفها منا ومن أحلامها من مدونتها «باب الجنة». بدأت التدوين وباسمها الصريح على الرغم من كل العقبات المحيطة بشابة مثلها ولم ترتكن إلى تدوين أحداث يومية وخواطر أدبية بل جرؤت على انتقاد المجتمع بلاذعة سلسة عرفت بها، كل هذا من أجل ماذا؟ الشهرة؟ وأي شهرة تبغي وهي القاصة التي نشرت مجموعة وشاركت في أمسيات أدبية مع كبار الكتاب. كلا ليست الشهرة إذاً بل الحلم لأن يكون غدا أجمل. لايسعنا أن نقف مكتوفي الأيدي متفرجين وكأن ما يحدث لا يعنينا مطلقا لأجل الوطن سندون وسنبقى نحلم هكذا اتفق معشر التدوين بصوت عال قالوها ولازالوا. ولكن بعد أن رحلت ماذا تبقى من حلمها هديل؟ يظل هيوز يبحث عن مصير الحلم المؤجل مخمنا: ربما يتدلى كحمل ثقيل أو هل ينفجر؟ تخليدا لحلمها وحلمهم أيضا ووفاء لزميلتهم تأسست جائزة هديل للإعلام الجديد تأكيدا برغبة صادقة لرعاية هذا الحلم وحفظه من توقعات هيوز في قصيدته. ولازال المدونون السعوديون شبابا وشابات يرعون أحلامنا يسقونها صباح مساء رغم الانتقادات والتحديات فتحية لهم وشكرا أحمد العمران، أروى الحضيف، الجميلة التي تكتب باسم انتروبي، خالد الناصر، نجلاء باراسين ولاننسى بالطبع عميد المدونين السعوديين والكثيرين غيرهم. دعوهم يحلموا كي لا يصيبنا اليباس ونتراكض كحبات زبيب تحت الشمس، ننز قيحا كجرح لايندمل، نتدلى مثقلي الهموم.. ولكي لا ننفجر يوما ما. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 249 مسافة ثم الرسالة