إذا كان أدب الأطفال ذلك البستان المليء بالمشاهد والصور المتنوِّعة، فإننا حين نتوجَّه به إلى عقول أطفالنا وعواطفهم، إنما نريد بذلك تعزيز رؤيتهم في الجوانب المضيئة في الحياة، وأن نزرع قيما إيجابية في نفوسهم كقيم المحبة والتسامح والتعاون وقيمة العمل، وحتى نستطيع اجتياز الحواجز بيننا وبينهم والدخول إلى عوالمهم المفعمة بالخيال، لابد أن تكون المادة الأدبية التي نقدمها متلائمة مع فطنتهم اللامحدودة، ومستمدة من ثقافة الواقع حتى لا يجد الطفل نفسه في تصادم معه عندما يكبر، فالكتابة للطفل تحتاج إلى دراسات معمقة لمعظم الجوانب التي تخص عالم الطفولة، وحاجاتها المتباينة، وأن تبلغ النصوص المقدمة لهم مستويات راقية من حيث فكرتها وأسلوبها وإخراجها وقيمها الإنسانية النبيلة التي تنمي المشاعر الايجابية، وأن تتناسب لغة الكتابة مع لغة الطفل وترتقي بها، وأن تتلاءم مفرداتها مع مفرداته، وأن يكون المعنى واضحا والعاطفة صادقة، وأن تكون محتوية على الخيال الموحي والمليء بالصور الواضحة دون الإغراق فيه، وأن تبتعد عن الإرشاد المباشر والأسلوب الإنشائي وعن التكلف واستخدام القوالب الجاهزة. كما يجب عدم إغفال الجوانب الفنيّة في المادة الأدبية، فأدب الأطفال ليس عملا تربويا فحسب، إنما هو عمل فني أيضا، لذا يجب الاهتمام بطباعة العمل الأدبي ومراعاة أناقة الغلاف، وحتى نوعية الورق وحجم الخطوط وترتيب الأسطر والكلمات، لنحقق بذلك الاعتبارات التربوية، واعتبارات نمو الطفل الجسمانية والعقلية والانفعالية واللغوية والمتطلبات الفنيّة في البناء العام للمادة. الثقافة البديلة للطفل يجب أن تقوم على احترام حقيقي لوعي الطفل، وحسه الجمالي، ورغبته في الاستكشاف، وولعه بطرح الأسئلة، ونزوعه إلى الحرية، والسعي إلى إشراكه في صنع ثقافته واستقبالها، وإتاحة الفرصة له للأخذ بما نقدمه له من مقترحات جمالية وفكرية، ورفض ما لا يستسيغه حسه السليم بالأشياء. ولكن السؤال الذي نطرحه بإلحاح: هل تمكن كتاب الأطفال من تحقيق تلك الشروط؟ والى أي حد انسجمت كتاباتهم مع معطيات عالم الأطفال البريء؟ محمد بن أحمد الناشري القنفذة