في فيلم «طباخ الريس» قدم الفنان المصري طلعت زكريا دور «متولي» الذي انتقل من عربة الطواجن والفتة في شوارع مصر العتيقة إلى البلاط المخملي في قصر رئيس الجمهورية كطباخ مؤتمن على تغذية فخامته، وسط إصرار الحاشية على سرية ووطنية المهمة، وعدم الحديث مع «الريس» في أي شأن كان، فعصى الطباخ الوصية ونقل مالذ وطاب من معاناة الشعب على طبق من كوميديا المقهورين السوداء. بعض المهن تجعلنا نفكر كثيرا في ممارسيها، وكاتبنا الذهبي خلف الحربي أشار في مقال سابق إلى المعلقين داخل الملاعب الرياضية وفاتحي أبواب السيارات عند الفنادق... ولكني مازلت أفكر فعليا بالأدوار التي يمارسها طباخو الرؤساء، وأنا أقرأ التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية عن القمة الثانية والثلاثين لرؤساء الطباخين في روما، حيث احتشد أكثر من ثلاثين طباخا لرؤساء العالم في قمتهم الدورية تحت شعار «دهنا في مكبتنا»، فالفزعة تعتبر ميثاقا بينهم على حسب تعبير طباخ قصر الإليزيه: عندما يكون لدينا أي شك نتصل ببعضنا ونسأل «رئيسك قادم هل تذكرني بما لا يحب». طبعا بعضهم صدق الدور مثلما صدقه «متولي» وشعر بعظم المسؤولية، وأنها ليست مجرد تقطيع بصل وشوي على حسب الطريقة الجغرافية، فكبير طباخي الأممالمتحدة خلد حكمة في قمة الطباخين وقال: «إن السياسة تقسم الرجال، لكن مأدبة جيدة تجمعهم، نحن صانعوا سلام»، الجانب الآخر الذي لم أستوعبه كان في تصريح طباخة الرئاسة الفنلندية التي يطلق عليها «شيخة الطبخ» لأنها على مدار 14 عاما تعاقب على أطباقها أكثر من رئيس وغادروا مناصبهم وهي ثابتة في منصبها فاستحقت هذا اللقب، وتقول: «خدمت ملوكا وملكات ورؤساء وتناهى إلى سمعي المئات من أسرار الدولة لكني لا أتفوه بأي كلمة»، وكأنها تلمح إلى أن فترتها لم تكن مجرد طبخ، بل لا مانع من تشغيل الاستقبال لالتقاط ما يقال، سواء عن «لقافة» أو قصد. الطباخ «متولي» في فيلم «طباخ الريس» كانت أمنيته أن يطبخ للرئيس صحن كشري وفول، ويوم تحققت أمنيته اكتشف الرئيس أن طعام الناس غير طعامه، ومن بعدها بدأ بسلسلة من التغييرات طالت الحقائب الوزارية، ولا أعلم هل قمة الطباخين تستوعب أن طبخات الكبار لها صانعوها ممن يغيرون أحيانا في مطابخهم وجه التاريخ ومعالم الجغرافيا؟!. [email protected]
للتواصل أرسل SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة