لم يمر بمخيلة العقيد أحمد الشهراني مدير شعبة الإصلاحية في سجون بريمان في جدة، أنه سيكون شاهد اللحظات الأخيرة في حياة المحكوم عليهم بالقتل من السجناء، حينما تخرج من الكلية الأمنية في العام 1406ه برتبة ملازم. وكان أكثر تلك المواقف أثرا في نفس العقيد الشهراني ما حفره كريم عفو خادم الحرمين الشريفين في ذاكرته كما جاء على لسانه. يقول: «في أحد الأيام جاءنا الأمر وزملائي الضباط بتجهيز امرأة أجنبية مدانة بتهريب مخدرات لتنفيذ حكم القصاص بحقها، وفور وصولنا إلى العنبر التي كانت تنزل فيه وجدناها ترضع طفلها وبجواره شقيقه الآخر وهو متعلق برقبتها، فأثر فينا المنظر، وأبلغنا المسؤولين الذين بدورهم رفعوا بالواقعة إلى الجهات المعنية، وأوقف تنفيذ الحكم إلى أن تتم الأم إرضاع ابنها إلى سن الفطام، وفي هذه الأثناء جاء أمر خادم الحرمين الشريفين بالعفو عنها وترحيلها إلى خارج البلاد رحمة ورأفة بحال أطفالها، وهو موقف لن أنساه ماحييت». ومن المواقف التي عايشها أيضا يضيف: «عندما هممت بتجهيز أحد نزلاء السجن لتنفيذ حكم القصاص بحقه، طلب مني تلبية آخر مطالبه برؤية بناته الثلاث لآخر مرة في حياته، فاستجبت لطلبه وبالفعل أحضر شقيقه البنات لزيارة والدهم وفور مشاهدتهم إياه سارعوا بالسلام عليه واللعب معه في مشهد يدمي القلوب، وهن لا يعلمن مصير والدهن». العقيد الشهراني والد لستة من الأبناء والبنات، وكان لوالدته أكبر الأثر في تحديد شخصيته ورسم مسار حياته كما يقول، ويرى أنها منهل الأخلاق الفاضلة والتربية الإسلامية التي شكلت الخطوط العريضة في حياته. ويحمل العقيد الشهراني رسالة يأمل أن لا ينهي حياته العسكرية و (الإصلاحية) قبل أن يوصلها إلى السجناء، وتتمثل في «أن يعي كل نزيل في السجون، أنه بشر معرض للخطأ وليس من العيب الوقوع في الخطأ، بل الاستمرار فيه، وعلى كل منهم الاستفادة من مدة محكوميته والعودة إلى جادة الصواب كأعضاء فاعلين ومفيدين في مجتمعهم وتطبيق ما تعلموه خلال مدد محكومياتهم في السجون على أرض الواقع، سواء ما اكتسبوه من برامج التعليم العام أو التدريب المهني».