وزير خارجية السودان: الحرب توشك على الانتهاء    أمير جازان يستقبل مدير الدفاع المدني السابق و المعين حديثاً    وزير الاتصالات: 13% النمو السنوي للاقتصاد الرقمي بالمملكة    تركي آل الشيخ يعلن وصول زوار موسم الرياض إلى 19 مليون    النمر العربي.. رمز التنوع الحيوي في المملكة وشبه الجزيرة العربية    يقدم 250 فعالية متنوعة.. «معرض جازان للكتاب» يستقبل الزوار غداً    وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالين من رئيس وزراء فلسطين ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الباكستاني    الهلاليون: كوليبالي كارثي    أمير الشرقية يكرّم المشاركين في مبادرة «خدمتكم فخر»    علامة HONOR تفتتح منصة الإعلان في LEAP 2025 مع إطلاق هاتف PORSCHE DESIGN HONOR Magic7 RSR    فجر السعيد: أعتذر للعراق وأعتزل النقد السياسي    «وول ستريت» تتراجع.. وتباين بمؤشرات أسهم آسيا    والد عبدالله الزهراني في ذمة الله    السعودية تتصدر دول ال20 في مؤشر الأمان ل 2023    لبنان تدين وترفض التصريحات الإسرائيلية ضد المملكة    الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية تعلن تأسيس الجمعية الأولى للتوحد بمنطقة مكة المكرمة    انخفاض الناتج الصناعي الهولندي لأدنى مستوى خلال 6 أشهر    تحت محور "سينما الهوية".. انطلاق الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية أبريل المقبل    حسين عبد الغني يتوقع موقف الأهلي في دوري أبطال آسيا    مساعد وزير الداخلية : الوزارة انتقلت من الرقمية التقليدية إلى المعززة بالذكاء الاصطناعي    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء جمعية العمل التطوعي    سماحة المفتي ومعالي النائب يستقبلان مدير فرع عسير    إسقاط مسيرات أوكرانية.. وهجوم روسي على كييف    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    «الإحصاء»: ارتفاع مؤشر «غير النفطية» 4 %    أم تقتل ابنها المعاق بعد تشخيصها بسرطان مميت    مستشفى دله النخيل بالرياض ينقذ مريضة من ورم في الرقبة ممتد للقفص الصدري    الصحة العالمية: الصرع لا يزال محاطًا بالوصمة الاجتماعية    رياح وأمطار خفيفة على بعض المناطق    عبدالعزيز بن سعد يواسي أُسر المايز والتميمي والجميلي في وفاة فقيدتهم    تسجيل 1383 حالة ضبط في المنافذ    العيسى يلتقي رئيس وزراء غينيا بيساو ويقف على برنامج جراحات العيون    الهلال الأحمر يعيد النبض لمعتمرة إندونيسية    سباق تدّمير العقول    الاحتلال يوسع حملة تدمير الضفة وينسحب من «نتساريم»    الثأر العجائبي في حكاياتنا الشعبية..    ولادة أول صغار المها بمحمية عروق بني معارض        غيبوبة على الطريق.. تنتهي بحفل تكريم «اليامي» !    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي للمجندات الدفعة السابعة بمعهد التدريب النسوي    دورات لتعزيز مهارات منسوبي الحرس الملكي    وزارة الثقافة تشارك في مؤتمر «ليب 2025»    «الدارة» تصدر كتاباً حول القطع الفخارية المكتشفة بتيماء    الأوركسترا والكورال الوطني.. روعة الإبداع في شتى الصور    %75 نسبة تفوق الحرفيات على الذكور    إرث الصحراء    ضمك.. جبل ونادٍ    ولي العهد يستقبل رئيس اللجنة الأولمبية الدولية    في الجولة ال(21) من دوري يلو.. قمة تجمع الحزم والطائي.. ونيوم والنجمة يواجهان العين والصفا    بختام الجولة ال 19 من دوري روشن.. الاتحاد يسترد الصدارة.. والنصر يقترب من الهلال    شعبان.. محطة إيمانية للاستعداد لرمضان    حسن التعامل    «المناورات» تجهّز الأهلي والنصر ل«قمة الإنماء»    موجز اقتصادي    سيادة المملكة «خط أحمر»    كيف يتكيف الدماغ بسرعة مع التغيير    ميكروبيوم معوي متنوع للنباتيين    الاتحاد السعودي لكرة القدم يقيم ورشة العمل الإعلامية الرابعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماليات التفاعل الحواري في شعر غازي القصيبي
نشر في عكاظ يوم 25 - 10 - 2024

يحمل الحوار الشعري جماليات كثيرة على صعيد التكثيف والاختزال وتوظيف الحس الدرامي في بنية القصيدة الحديثة، وعلى الرغم من أن الحوار هو في الأصل تقانة درامية تشتغل في فن المسرح على نحو أصيل، غير أن العلاقة بين الشعر والدراما تتيح للقصيدة أن تأخذ كثيراً من تقانات الدراما بلا حدود، ولعل من أبرز هذه التقانات تقانة الحوار عبر ضخّ طاقة شعرية كثيفة في هذا الحوار، بما يجعل من بنية القصيدة مساحة حرّة لحركة الحوار الذاتي حين يحاور الشاعر ذاته من خلال معاناة ذاتية، والحوار الموضوعي حين تتوفر أكثر من شخصية في بنية القصيدة.
يفيد الشاعر غازي القصيبي من هذه التقانة الحيوية في نصوصه الشعرية؛ ويحاول أن يوظف الحوار الشعري لخدمة تطور البُعد الشعري في بنية القصيدة، وهو الشاعر الذي يحاول دائماً عبر تجربته الشعرية الطويلة أن يضخ في قصيدته طاقة درامية كبيرة كلما وجد إلى ذلك سبيلاً، ففي قصيدته الموسومة ب«بين الصديق والعشيق» يتضح الفضاء الحواري من عتبة عنوان القصيدة، حيث تبرز شخصيتان اثنتان في بنية العنوان على نحو يفرض حضور تشكيل حواري شعري بينهما، إذ يبدأ الراوي الشعري تشكيل الفضاء الحواري من خلال شعرية السؤال؛ التي يبدأ فيها بحضور شخصية (آخر) بهوية أنثوية ينقل كلامها له على شكل حواري استفهامي واضح، وكأنّه استكمال لحوار سابق على هذا الحوار:
وتسألين: «أين أنت
أين غبتَ واختفيتْ؟
يومان مرّا ما أتيت»
تتحرّك آليّة الحوار الشعري بين الراوي الذاتي والآخر الأنثوي من خلال السؤال الذي يتوجّه به الراوي نحو شخصية الأنثى، وهو ينقل سؤالها إليه حين تستفسر عن غيابه واختفائه عبر فسحة زمنية محددة، فيبرز سؤالها على لسانه وتسألين: أين أنت بحثاً عنه، ويتطور الحوار الضمني من البحث عنه إلى الاستفسار عن غيابه واختفائه «أين غبتَ واختفيتْ؟»، وحين يتضح السؤال الحواري المنقول على لسان الراوي يستكمل الراوي صورة السؤال وامتداده إلى الزمن «يومان مرّا ما أتيت».
يستكمل الحوار فضاءه حين يقوم الراوي باستعادة الحوار الذي توجهت به الأنثى لمعرفة سبب غيابه قبل يومين وحتى الآن، وهذا الحوار المنقول على لسان الراوي يفضي إلى شعرية استفهامية تحاول الإجابة على سؤال العنوان «بين الصديق والعشيق»، من خلال حضور احتمالي لشخصية الصديق وشخصية العشيق من أجل حلّ الصفتين والوصول إلى صفة واحدة حاسمة.
تتعدد صور الحوار بين الحوار الافتراضي مع الآخر والحوار الذاتي والحوار المتخيّل من أجل أن تسهم هذه الصور في إثراء بنية القصيدة، وتنفتح الرؤية الشعرية الحوارية على هذا الأساس انفتاحاً كلياً على الأحداث التي يرويها الراوي الشعري العارف بالأشياء، لكن شخصية الآخر الأنثوي هي الشخصية المحور في إستراتيجية هذه الحوارية الشعرية، وهي تتنوع بحسب السبيل الواصل إلى جوهر الصورة، ليكون الحوار الشعري في هذا الإطار نوعاً من إقرار كثير من الرؤى والمفاهيم والقيم، ويكون حواراً شعرياً منتجاً على هذا الأساس وفي محاور عديدة منه.
تنتهي الحوارية الوجدانية العالية على لسان الراوي الذاتي الشعري وهو يحاكي شخصية الآخر الأنثى، طالباً منها حسم وضعه تجاهها وعدم إهماله ليكون متروكاً ومتجاهَلاً في حالة وقوف حرجة بين الجنة والنار:
لا تتركيني واقفاً
بين النعيم والجحيم
أصغي إلى همسة صوتك الرخيم
أبحث في عينيكِ عن طريقي
تشتبك الأسئلة في ظلّ هذه الحوارية الشعرية التي تسعى من أجل الوصول إلى حلٍّ بين منطقة الصديق ومنطقة العشيق، وما بينهما ثمة مسافة شاسعة تتراكم فيها جملة من المشاعر الضدية المتزاحمة على سلم التحدي، فالنداء الحواري ينطلق من جملة النفي التي تضفي على البنية الشعرية الحوارية وضوحاً صارخاً «لا تتركيني واقفاً»، وحيث تتجلى المسافة بين مكانين ضديين إلى أعلى درجات الضدية «بين النعيم والجحيم»، وما ينعكس من المكانين في ذهن التلقي من أمكنة لها حضور في الذاكرة البشرية، ودرجة الضدية العالية بينهما من حيث الانتماء وعدم الانتماء إلى المرجع الديني.
تعيش الذات الشاعرة هنا في حالة من التيه والخذلان وتضارب المشاعر على نحو صاعق، فهي تصغي إلى صوت الآخر الرخيم في هذا الخضم الضارب بأعماقه في جوهر الصورة «أصغي الى همسة صوتك الرخيم»، وتعمل الصفة هنا «الرخيم» على تمثيل الرؤية الشعرية في نسق مركزي مهم من أنساقها.
لا يكتفي هذا الإصغاء بالسماع المجرد والبسيط والعادي المتعارَف عليه؛ بل يتجاوزه نحو الحصول على شارة الطريق نحو الخلاص «أبحث في عينيكِ عن طريقي»؛ بمعنى أن الطريق مغلقة أمام حركية الذات الشاعرة باتجاه إدراك صورة الذات وجوهر الهوية، ولا بد في هذه الحال من استدراك الحالة ومعرفة الطريق في نهاية المطاف، من أجل الاستقرار على حالة شعرية تخدم بنية القصيدة.
إن الحوار الشعري في هذا المضمار هو إحدى أبرز التقانات الشعرية التي تجلت على نحو واضح في تجربة الشاعر القصيبي، وهو ما يعكس طبيعة شخصية الشاعر كونه شخصية لها باعٌ كبيرٌ في الفضاء الإداري والدبلوماسي، وهذا الفضاء يقوم على حساسية الحوار العام الطبيعي في انعكاسه على حساسية الحوار الشعري، ولا شك في أن تأثير هذه التقانة على بنية القصيدة من شأنه أن يثري الفضاء الشعري العام في التجربة، ويعكس طبيعة الوعي الاستثنائي الذي يمتلكه الشاعر في هذا المضمار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.