قال الفنان شفيق جلال: «أمونه بعتلها جواب، أمونه ولا سألت فيا، أمونه ايه الأسباب، أمونه ما تردي عليا». (وبعد ما أمونه طنشته) فصل عليها وقال لها: «على كيفك، على كيفك، إن شاء الله ما رديتي عليا يا أمونه». ويا ريت أحد يطمنا أمونه ردت عليه ولا لسه؟! في زمن لم يكن فيه «رسائل نصية» ولا هواتف ذكية ولا «واتساب» ولا حتى شبكة اتصال ثابتة، كانت وسائل التواصل بين العشاق تعتمد على مهاراتهم، وكانت أول السُبل للتواصل بينهم تعتمد على «الرسائل الورقية». وكانت في تلك الزمانات الرسائل الورقية هي «الواتساب» في هذه الأيام، ولكن الفرق أنها كانت تُكتب بالقلب وليس بالقلم، وكانت مليئة بالمشاعر الصادقة، لكن العاشق كان مضطراً للانتظار يومين وربما أسابيع حتى يصله الرد أو يصل ساعي البريد. وعلى الطاري؛ في تلك الأيام فضّل عاشق ولهان أن يعبّر عن حُبه لفتاة من خلال «شن هجوم» عاطفي عليها برسائل حُب من «مجهول». واستمر أخينا في الله على هذا المنوال لفترة طويلة، وبالفعل تحقق ما أراده ووقعت الفتاة أخيراً في الحُب، ولكن ليس لمُرسل الرسائل (المجهول)، بل لساعي البريد الذي كانت تراه يومياً وكان ينقل لها الرسائل التي بلغ عددها 1320 رسالة خلال عامين. ولا يسعني إلا أن أقول للعاشق المهبول: (بِل رسايلك واشرب مويتها). وأيضاً في تلك الأيام إذا تطور الحال وصل إلى المكالمات الهاتفية، والتي كانت بشق الأنفس، فتخيل أن تدخل إلى مقصورة هاتفية عامة، وتضع بعض «العملات المعدنية» ثم تنتظر الإشارة لتسمع الصوت على الطرف الآخر، وأنت وحظك إذا «مسك الخط» أو كان مشغووول أو حصل تداخل غريب في المكالمات واجتمعت الخطوط مما يجعلك تتحدث عن «الأحوال الجوية» بدلاً من الأحوال العاطفية حتى تنهي مكالمتك. وإذا تطور الوضع أكثر ووصل إلى اللقاءات الشخصية، فكانت هذه الخطوة تحتاج إلى تخطيط مُسبق وترتيب، حتى يلتقي العشاق «من بعيد لبعيد»، فقد يمر العاشق من أمام نافذة جارته والسلام بينهما يكون بالنظر. أو قد يرسل لها «وردة حمراء» مع مرسول تعبيراً مختصراً عن مدى حُبه. أعتقد أن العشّاق في تلك الأيام قد عاشوا ذكريات جميلة، تعلموا فيها الكثير من الحُب والالتزام العاطفي، لأنهم وبكل بساطة لم يكن لديهم أي خيار آخر، ورغم أن كل شيء كان بطيئاً ومعقداً، إلا إنهم ذاقوا لذة الحُب العذري. وبما أن العشّاق مجانين قديماً وحديثاً؛ لن أنسى أن أخبركم عن امرأة مكسيكية مجنونة، تم القبض عليها بتهمة الاتصال بحبيبها السابق 77 ألف مرة، وأرسلت له 1973 رسالة بريدية، بالإضافة إلى 41 ألف رسالة هاتفية. ولا يسعني إلا أن أقول: «الله يرزقني فضاوتها». وعلى كل حال؛ عيشوا، واستمتعوا، وحبّوا بعضكم. فأنتم في عصر لا تحتاجون فيه للوقوف تحت النوافذ، ولا لانتظار «حمام زاجل» قد يضيع في طريقه، ولا لإرسال رسالة ورقية مقيدة بساعي بريد، بل على العكس أنتم محظوظون، ولا عذر لكم في أن تتأخروا عن قول «أحبك» أو اشتقت لك. فلا الأعاصير ستعيق رسائلكم، ولا ساعي البريد سيتأخر عنكم. ورسالتي الأخيرة؛ إلى من يهمه الأمر: إن كان قلبك من عنا الشوق (مضغوط) قلبي على شوفتك من الشوق (مندي).