نائب أمير جازان يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    عبدالعزيز بن سعود يزور المعهد القومي لتدريب القوات الخاصة في جمهورية مصر العربية    منتدى أسواق الدين والمشتقات المالية 2024 يختتم أعماله بمخرجات حول تطوير الأسواق المالية وتحفيز الاستثمارات الأجنبية    دول الخليج: نحمل إسرائيل مسؤولية الحرب على غزة أمام المجتمع الدولي    تتصدرها فلسطين.. أكثر من 10 ملفات على طاولة وزراء الخارجية العرب غداً    قمة تاريخية لسيولة الاقتصاد السعودي عند 2.898 تريليون ريال    محافظ الطائف يتفقد الكلية التقنية للسياحة والفندقة    "إنسبشن" تضيف تحديثاً جديداً على تطبيق "دردشة جيس"    نائب أمير منطقة تبوك يتسلم شعلة دورة الألعاب السعودية الثالثة 2024    ولي العهد يبحث مع وزير الخارجية الروسي التطورات الإقليمية    مصرف الراجحي "الأردن" يفتتح مبنى الإدارة الرئيسية الجديد في العاصمة عمان    «النقد الدولي»: السياحة السعودية سجلت مستويات غير مسبوقة    وزير الخارجية يشارك في الحوار الاستراتيجي بين دول الخليج وروسيا والهند    تقارير.. بيشكتاش يقترب من ضم ساديو ماني    إحباط تهريب 280 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    العادات تتغلب على إجراءات الإنعاش في المستشفيات    تعليم الطائف يواصل سلسلة لقاءات قيادات التعليم "تكامل "    التعليم المستمر والقضاء على الأمية مستهدف رئيس في رؤية المملكة    أمير الحدود الشمالية يستقبل مدير جوازات المنطقة    قطاع ومستشفى رجال ألمع يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    انطلاق المنتدى الإقليمي العاشر للاتحاد الدولي لصون الطبيعة لدول غرب آسيا بالرياض    القيادة تهنئ رئيس جمهورية طاجيكستان بذكرى استقلال بلاده    مبادرة استبدال أجهزة التكييف القديمة "الشباك" تعود بمرحلتها الكاملة وبدعم قيمته 1000 ريال    2046 اعتداء لمستوطنين على قرى الضفة    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    وزير الثقافة يتفقد مركز الملك فهد الثقافي في الرياض    سيطرة سعودية على كؤوس مهرجان ولي العهد    جمعية الإعاقة السمعية بجازان تنفذ مبادرة عن لغة الإشارة في مستشفي العيدابي العام    جمعية الإحسان الطبية تنفذ برنامج الاستشاري الزائر في مركز الرعاية الأولية بالشقيري    المنتخب السعودي للمعلوماتية يعود إلى أرض الوطن متوجًا بميداليتين عالميتين    أمير الباحة يدشّن مشاريع بلديات وإسكان ب 3 مليارات    محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية تتوج بجائزة التميز في الحفاظ على البيئة والتراث الثقافي    السعودية ومصر.. علاقات تاريخية    «هيئة الموسيقى» تكشف تفاصيل حفل «روائع الأوركسترا السعودية» في محطته الرابعة بلندن    محافظ حفر الباطن يكرِّم الجهات المشاركة بحملة محو الأمية    أحاديث دافئة بين «عكاظ» ومحمد عبده عن صحته والحب وشظف الماضي والذكريات    «التعليم»: سد الاحتياج في «المتوسطة والثانوية» من التخصصات الأكثر وفراً    «العدل»: المحاكم العمالية قضاء متخصص    تنفيذ القتل في 3 خانوا الوطن واستباحوا الدماء والأموال    5 نصائح لجعل مرض السكري صديقاً للإنسان    استعداد مبكر    جدل الصحف الورقية… والافتراضية    شريحة ثورية بهاتف آيفون الجديد    مخلوقات غريبة في أعماق المحيط الهادئ    أمير الكويت يصدر مرسوماً بقبول استقالة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط    مفاهيم السعادة    قوة الكلمة الطيبة.. كيف يمكنها أن تغير العالم ؟    نصيحة    ثمّن اهتمام القيادة الرشيدة ونقل تقدير أمير المنطقة.. نائب أمير مكة المكرمة يعلن بدء التخطيط الزمني لحج 1446ه    الاتحاد يضم الكولومبي "ريكاردو كارابالو" إلى نادي جدة    «موسى ديابي» خامس أغلى صفقة في العالم    حين يكون المسؤول فوق مستوى الطموحات    بقاء لودي وإسقاط نيمار يفجر غضب الهلاليين    البروكلي يعالج ارتفاع ضغط الدم    مشروع "نسك عناية".. مبادرة نوعية لوزارة الحج    الرياض: تخريج 334 من الدورة التأهيلية للضباط الجامعيين ودورة بكالوريوس العلوم الأمنية    رابطة العالم الإسلامي ومكافحة الطائفية    الحوار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أولمبياد باريس».. سقوط في آخر القاع !
نشر في عكاظ يوم 05 - 08 - 2024

لم أجد في المشاهد الجريئة، التي احتشد بها حفل افتتاح أولمبياد باريس مؤخراً، أي مسوغ منطقي يبرر ما جوبهت به من استنكار غربي، ورفض حاد، وتوصيف بالإهانة والازدراء لمعتنقي المسيحية، والمبشرين بها، وحطّ من قدر الكنيسة، وتشويه للإرث المسيحي، والسخرية منه استناداً لمشهد استبدال السيد «المسيح» عليه السلام بلوحة جندرية شهوانية، في سيناريو الحفل.
فكل هذا برأيي مهما بلغت درجة الصدق في التعبير عنه، لا يستند إلى قراءة بصيرة لتاريخ فرنسا، والصراع الفكري الذي ظلت تشهده، وتمظهر في شكل ثورات مستمرة، بلغ غايتها التفجيرية الكبرى في الثورة الفرنسية سنة 1789م، بنسف النظام الملكي المُقدِّس للكنيسة الكاثوليكية، والانخراط من ثم في جو ليبرالي منفتح، بلا سقوف أو محددات، ونشاط للعقل الفلسفي عبر نظرية الشك الديكارتية، وهو أمر يمكن تقديره على اعتباره خطاباً مضاداً لخطاب الكنيسة الذي حجّر العقول، حتى بلغ من تعسف الكنيسة أنها نكّلت بكل من يخالف تعليماتها، ويخرج عن نظامها الأبوي البابوي، إما بالتعذيب أو الحكم بالقتل والإعدام، فكان من الطبيعي أن ينتهي كل ذلك إلى خطاب مضاد، بذات الشراسة والأفكار العدمية الناسفة، وهي الحالة التي وسمت التفكير الغربي بعامة، والفرنسي بخاصة، فلم يهنأ بحالة استقرار في منطقة اعتدال وسطي تنظر للدين بوصفه مكوناً أساسياً في حركة الحياة، وليس «طقساً» يؤدى على هامشها، وانتماءً بلا أي وعي لمتطلباته، ولا مترتباته، وإنما هو قائم على سيقان «العادة»، والتحصّن الهش بالانتماء إلى «دين روحاني» دون تفجير الأسئلة الكبيرة في مواجهة «المسكوت عنه» أو«الخرافات»، المتشظية في عقل المسيحيين بين الإلوهية المطلقة والرسولية المقيدة.. فكان من الطبيعي أمام هذا الإيمان الزائف، واليقين الهش، والخطابات الغامضة، أن يستمر العقل ذاته في خروجه المستمر، الذي بلغ الغاية في الانحلال عن الدين عبر مركبات الليبرالية، ومناطيد الإلحاد، ليصل بنا اليوم إلى تقديس الذات، وجعل الشهوة الرغائبية هي الأولى بالتقديس، والأجدى بإفساح المجال لها للتعبير عن ذاتها دون أي محددات دينية أو ثوابت مجتمعية.
بظني أن ذلك ما جسّده حفل افتتاح «أولمبياد باريس»، في أجلى صورة وأكثرها منطقية لمن يقرأ التاريخ ويفهم المآلات، ولهذا فإنني أجد نفسي مطمئناً ومتفقاً مع الكاتب المصري أنس حسن، الذي ذهب إلى القول: «أما حفل باريس، فهو عمل فلسفي تبشيري بامتياز، إنه صلاة «دينية» لحضارة النيوليبرالية في شقها الثقافي، ومنتجاتها الدينية الجديدة، من عبادة الجسد، وتعزيز الشهوانية كمقصد وغاية للوجود البشري»..
ويعمّق «أنس» المفهوم ذاته بعبارة أخرى في موضع آخر من مقاله بقوله: «.. كان حفل باريس حالة «استعلاء» بالإيمان «الإلحادي /‏‏ النيوليبرالي» على كل أديان العالم، وثقافات الشعوب، في دولة تعاني من صعود اليمين المتطرف وقارة بدأ يأكلها اليمين»..
وأضيف بالقول إن التمظهر الأجلى لماهية العقل الفرنسي الباحث عن خلاص في شاشة العرض الذي شهدناه في حفل الافتتاح، سيناريو متكرر، وسيتكرر بأشكال أخرى، طالما دخل «الدين» رفضاً وقبولاً في المعادلة، وبات المعيار الحاسم في ذلك، إذ لم يعرف الغرب المسيحي ضرباً من «الوسطية» الدينية التي تُخضع النصوص للمساءلة والنقاش، وتخرج بها من حالتي التقديس أو الازدراء، فإما قبضة مطلقة للكنيسة، وتحكّم في مفاصل الدولة والفرد، أو انتماء طقوسي هش، ينتهي غالباً إلى حالة قلقة، أو إلحاد مطلق، وبحث عن معبرات نفسية في غاية التطرّف والشذوذ تبعاً للرغائبية والشهوانية الجسدية؛ كما هو الحال في مسلاخ «المثلية الجنسية»..
أجدد قولي بأن غياب «الوسطية» بمفهومها الديني البحت عند الغرب المسيحي، والمجتمع الفرنسي بخاصة، عمّق من النواتج الكارثية لهذه المراوحة، خلافاً لما هو الحال عند المسلمين في سياق تاريخهم الذي لم يخلُ من مظاهر التطرّف، والرغبة في مصادرة الحق في التفكير، والتألّي على الذات الإلهية بالخروج عن دوائر التعبّد وفق المنهج، إلى محاولة «إنتاج» الدين وفق الفهم الخاص والتمذهب الأعمى، والانصياع لدواعي الهيمنة والفرض بسلطان النصوص الدينية القاهر، وآخر مظهر لذلك تجلى في نموذج الإسلام السياسي بدرجات شططه المختلفة، من «الصحوة» و«الإخوان» وصولاً إلى «التكفير والهجرة»، و«داعش»، وغير ذلك من الخطابات التي قابلها في الضفة الأخرى خطاب نابذ لها، لكنه متحصّن بالوسطية، ولم يبارحها إلى الدعوة للخروج عن الدين كلية كما هو الحال في بعض مظاهر المجتمع الغربي الكنسي، وبهذا تكتسب الدعوة إلى التزام الوسطية التي أعلت من شأنها قيادتنا الرشيدة في هذا العهد الزاهر أهميتها، وجدواها وصولاً إلى حالة الاستقرار المنشود، والسلام المجتمعي، المهيئ لظروف النهضة والنمو بعيداً عن غوائل الشطط ومنتجات العقل المارق والقلق..
إن ما شهده حفل افتتاح «أولمبياد باريس» ليس إلا البداية التي لها ما بعدها. وعلى الذين استنكروا ما جاء في «الافتتاح» أن يتهيؤوا ل«صدمة» أكبر وقعاً وأشد صدى ودويّاً، بحسب «مبشرات» المدير الفني توما جولي، الذي أسند إليه أمر إنتاج حفلي الافتتاح والختام، والذي علّق على ما شهده الافتتاح بقوله: «إن كان العرض المستوحى من التاريخ قد أنجب ما رأينا وسمعنا، فما الذي سيأتي به عمل يستقرئ ما لم يأتِ بعد؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.