قد لا يدرك البعض أبعاد الجهود المبذولة التي تستهدف حماية الحياة الفطرية من خلال تنفيذ برامج بيئية لإكثار وإعادة تأهيل الكائنات المهددة بالانقراض، واستعادة الأنواع المنقرضة، وإثراء التنوع الأحيائي، وأثر ذلك كله في معادلة تنمية البيئة وازدهارها واستدامتها. لذا نجد بعض هؤلاء لا يقفون على مخرجات الجهود المبذولة للحفاظ على الأنواع المختلفة في المنظومة البيئية، مما يشكل تحدياً أمام مساعي تعزيز التوعية البيئية وغرس ثقافتها في الوعي المجتمعي. ما دعاني إلى كتابة ذلك، هو تلكم الاستفسارات التي وردت من بعض الإخوة المواطنين عقب إعلان المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية عن ولادة أربعة أشبال للفهد الصياد في مدينة الرياض، وهو الحيوان المنقرض في الجزيرة العربية منذ أكثر من 40 عاماً. وكان فحوى سؤالهم الكبير الذي أثار الاستغراب لديّ ولدى الكثير من المهتمين بالشأن البيئي، هو: «ما الذي سنجنيه من إكثار تلك الحيوانات (المفترسة) أو استعادة الأنواع المنقرضة منها؟». تملَّكتني الدهشةُ من فحوى هذه الاستفسارات التي أثارت شجوني وحرَّضتْ قلمي على كتابة هذا المقال! إن تلك الاستفسارات تؤكد أن تحديات نشر الوعي البيئي ما زالت قائمة، وأن هنالك حاجة للمزيد من تضافر جهود مختلف القطاعات ومنظمات المجتمع المدني لغرس الوعي البيئي وإبراز أهمية دور المواطن في إثراء منظومة المساعي المبذولة للحفاظ على البيئة، وما يحمله ذلك من قيمة مضافة وأثر عظيم على مسارات التنمية، في ظل التحولات الكبرى القائمة في بلادنا وفق رؤيتها التنموية التي وضعت ضمن مستهدفاتها حزمة من الاستراتيجيات التي تعزز الاستدامة والحفاظ على النظم البيئية. ونقول: إن الجهود البيئية الرائدة المبذولة في بلادنا ضمن مسارات التنمية الشاملة والمستدامة جاءت لتعزيز المساعي العالمية لمواجهة أزمة انحسار التنوع الأحيائي التي تعود أسبابها الى الأنشطة البشرية، التي ساهمت في تدمير الموائل الطبيعية، من خلال الاستغلال المفرط لمساحات الأراضي بهدف التوسع الحضري أو الزراعي وما يترتب عليه من إزالة الغابات، إضافة الى الصيد الجائر والتجارة غير المشروعة في الأنواع الفطرية، إلى جانب التغير المناخي الذي يعطل النظم البيئية ويسبب تهديداً كبيراً للتنوع البيولوجي، الذي جاء امتداداً للتلوث الذي يقوّض سلامة الماء والهواء، واستخدام المواد الكيميائية السامة الذي يضر بالنظم البيئية والحياة البرية من خلال إذكاء ظاهرة الاحتباس الحراري بكل تداعياتها على الكائنات الحية. وأمام هذه التحديات، لم نستغرب هذه المساعي المحلية والعالمية للحفاظ على النظم البيئية وإثراء التنوع البيولوجي فيها وتفاعلاته (البينية)، وتهيئة البيئة الملائمة ل(التشكُّل التطوري) للأنواع الجديدة، عبر تنفيذ ممارسات مستدامة لضمان بقائها، في ظل الأدوار المحورية لذلك التنوع الأحيائي في الحفاظ على جودة الحياة والتأثير المباشر على رفاهية الإنسان، من خلال المساهمة النوعية في نقاء الهواء وتنقية المياه وتنظيم المناخ وتلقيح المحاصيل، والتخلص من السموم والملوثات وتوازن أعداد الفرائس في البرية. إن حماية الحياة البرية لم تعد أمراً اختيارياً، فكل نوع من الحيوانات يساهم في استقرار منظومة التوازن البيئي، باعتباره حلقة من حلقات النظام البيئي، وبالتالي فإن انقراض أنواع معينة يسبب كسر العديد من السلاسل الغذائية، التي ينتج عنها موت كائنات أخرى، أو زيادة الفرائس التي كانت تتغذى عليها الأنواع المنقرضة بما يضر بالنظام البيئي، أو يشكل تهديداً يؤثر على سلامة البشر أنفسهم. إن مشهد النظام البيئي الذي يحتضن ذلكم التنوع الفريد في بلادنا يحمل أبعاداً أخرى في ظل ما تضفيه تلك الأنواع الفطرية من قيمة ثقافية وجمالية، تتناغم مع منظومة الإرث الطبيعي التي تعزز السياحة البيئية وتساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في المجتمعات المحلية القريبة من المناطق المحمية. ولا نغفل أيضاً الأبعاد الصحية لذلك التنوّع في ظل أهمية بعض الحيوانات لحماية الإنسان نفسه من مخاطر الأوبئة والأمراض. إن فقدان التنوع البيولوجي ليس مجرد أزمة بيئية بل هو تهديد لأسلوب الحياة والاقتصاد والحالة الصحية والنفسية.. الأمر الذي يدفعنا إلى القول: إن الحفاظ على التنوع الأحيائي، ومخزون التنوع الجيني الوراثي الضروري للبقاء، وتعزيز برامجه، هو من أهم مقاييس استقرار النظام البيئي، وهو في الوقت ذاته حماية لمستقبلنا ولمستقبل الأجيال القادمة. فهل نتوقف عند تلك الأبعاد لندرك القيمة المضافة لبرامج الإكثار في حماية الحياة الفطرية التي تعتبر أحد محركات النمو والازدهار في مسيرة التنمية الشاملة في بلادنا؟ ذلك ما نرجوه.