في 19 يوليو 2024، تحولت شاشات الكمبيوتر حول العالم إلى اللون الأزرق، إيذاناً ببدء فوضى عارمة لم يشهدها التاريخ من قبل. توقف معظم العالم عن الدوران، وشلّت أنظمة بأكملها في بعض القطاعات، وأصيبت قطاعات حيوية بالشلل، كل ذلك بسبب خلل تقني فادح تسببت فيه شركة كرواد ستريك؛ العملاق في مجال الأمن السيبراني، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحليل المخاطر السيبرانية. فجأة، حجبت الخدمة عن المستخدمين ولم يعد بإمكان أحد الوصول إلى حساباته البنكية، أو حجز رحلة جوية، أو حتى تلقي الرعاية الطبية. وكانت النتيجة حجب الخدمة عن المستفيدين مما تسبب في تأخر وإلغاء أكثر من 30 ألف رحلة جوية، وتكبدت شركات مثل دلتا للطيران خسائر فادحة تقدر بأكثر من 100 مليون دولار بسبب هذه الأعطال. طالت الفوضى حتى البنوك العالمية مثل باركليز وبنك أمريكا، والمستشفيات مثل مايو كلينك، مما زاد هذه الخسائر لتقدر بمليارات الدولارات حسب التقارير الأولية. في البداية، ساد الذعر واشتبه الجميع بهجوم سيبراني واسع النطاق وهو حجب الخدمة DDoS عن المستفيدين، خاصة مع انتشار أخبار انقطاع الخدمات في جميع أنحاء العالم. لكن سرعان ما اتضح أن السبب وراء هذه الكارثة هو تحديث خاطئ أصدرته شركة كرواد ستريك لبرنامجها الأمني Falcon، مما أدى إلى تعارضه مع أنظمة التشغيل ويندوز، وحجب الخدمة على نطاق عالمي. أثار هذا العطل انتقادات واسعة لطريقة تعاطي بعض وسائل الإعلام مع الحدث، حيث استضافت أشخاصاً غير مختصين في الجرائم السيبرانية والأدلة الرقمية، مما زاد من حالة الذعر والارتباك. ولا بد من التفرقة بين مجالات الأمن السيبراني والجرائم السيبرانية والأدلة الرقمية. كما سلط العطل الضوء على مخاطر الاعتماد المفرط على شركة واحدة، مايكروسوفت، في مجال التكنولوجيا. فقد أدى احتكارها لأنظمة التشغيل والبرامج إلى تعطيل قطاعات كاملة من الاقتصاد العالمي، مما تسبب في خسائر فادحة للشركات. وتعتبر هذه الأزمة درساً قاسياً للعالم حول مخاطر الاعتماد على شركة واحدة في مجال التكنولوجيا، وأهمية تنويع مصادر التكنولوجيا وتقليل الاعتماد على شركات محددة. وهل حان الوقت للجهات لإعادة النظر في سياسة التحديثات التلقائية، خاصة تلك التي تمس الخدمات الحيوية. هل يجب على العالم أن يتجه نحو تقنيات أكثر أماناً وتنوعاً؟ هذه أسئلة يجب على الجميع التفكير فيها بجدية بعد هذه الكارثة التي هزت العالم. هل من الممكن بناء نظام تقني أكثر مرونة وقابلية للتكيف مع مثل هذه الأزمات؟ هل يمكن تجنُّب تكرار مثل هذه الكوارث في المستقبل؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في تعاون الجميع، من الحكومات والشركات إلى الأفراد، لبناء عالم رقمي أكثر أماناً واستقراراً. والسؤال الذي لا يزال يبحث عن إجابة قاطعة هو ما إذا كان حجب الخدمة ناتجاً عن عطل فني كما ذكرت شركة كرواد ستريك أو عن جريمة سيبرانية. ووحده الوقت سيكشف عن الحقيقة، مع انتظار تحقيقات شاملة من قبل الجهات المختصة في أمريكا.