الإنسان مخلوق يمتاز بعقله وفكره الذي يجعله قادراً على الإدراك والوعي والمعرفة والتفكير والذاكرة واللغة والحكم. والعقل يمكّن الإنسان من التمييز وتقدير الأمور والتخيل ومعالجة المشاعر والأحاسيس والانفعالات. المخ البشري مازال لغزاً لم يكتشف العلماء المختصون أسباره وخفاياه ولم يعرفوا إلا القليل من أسراره، إلا أن الدراسات ما زالت تتوالى لفهم هذا العضو الرئيسي في الجهاز العصبي لدى الإنسان، والذي يتحكّم في جميع الأنشطة وردود الفعل والاستجابة والوظائف وكل ما يحدث في الجسم. العقل يقسمه العلماء إلى قسمين: 1- عقل واعٍ يفكر بألفي خلية، وهو الذي يقوم بالبحث عن المشاكل ويحدد أسبابها ودوافعها ويحللها للوصول إلى حلول ونتائج يخزنها كمعلومات في الذاكرة الطويلة الأمد أو القصيرة الأمد بعد عملية الأرشفة الذهنية، حيث يقوم العقل الباطن بتخزين المهارات والمعرفة في العقل الباطن وبناء مسارات عصبية جديدة خاصة بها، حيث تستغرق هذه العملية وقتًا. كذلك الأمر عندما يحفظ الشخص النصوص الدينية، أو القصائد الشعرية وغيرها من خلال قراءتها بشكل متكرر. 2- العقل اللاواعي أو العقل الباطن يفكر بأربعة ملايين خلية ويعمل بشكل دائم ومستمر دون توقف، حيث يتحكّم بكل ما في الإنسان من أعضاء والأجهزة اللا إرادية الموجودة في الجسم إلى السلوكيات والمعتقدات والقناعات الذهنية التي تشكّل النظام الداخلي. كما أنّ العقل الباطن تركيزه غير محدود، فيستطيع تخزين وملاحظة الملايين من المعلومات في الثانية الواحدة، ويقوم بربط المعلومات ليشكّل سلسلة أفكار مترابطة، ويؤثر على تصرفات الإنسان، فمن خلال تهذيب العقل الباطن يمكن الحصول على نتائج ممتازة، والعكس صحيح في حال إساءة استخدامه. تعتبر الكتابة باليد مهمة لتنمية الدماغ والمهارات الحركية، والحفاظ على الثقافة والتواصل مع التاريخ. ومن المؤكد أن اختراع الكتابة يعتبر أحد أهم الاختراعات البشرية. إن الكتابة تحول الأفكار إلى رموز. والأسطورة التي رواها الفيلسوف سقراط تكشف مدى سطوة وسلطان الكتابة من خلال القصة التي ساقها عن الإله المصري تحوت، المبتكر الأسطوري لفن الكتابة، والذي قيل إنه قصد إلى بلاط الفرعون لتلقي التهنئة والتبريك على اختراعه لفن الكتابة، وإذا بالفرعون يقول له: «أنت يا رب الحروف، قد أعطيت هذه الحروف سلطاناً ليس من خصالها الأصلية، لأنك تحب هذه الحروف وتتعاطف معها... لقد ابتكرت إكسيراً لا ينفع الذاكرة في شيء وإنما قد يعين قليلاً في التذكر عند الناس، وبهذا فإنك تقدّم لتلاميذك وجهاً مخادعاً للحكمة، لأنهم سوف يقرؤون الشيء الكثير دون أن يتعلموا شيئاً يفيد، ومن ثم فإنهم سوف يتظاهرون بالمعرفة في أمور شتى، ولكنهم في حقيقة الأمر جهلة غافلون». كأن الأسطورة تطل على حاضرنا حيث انتشرت ظاهرة الجهلاء الذين يقرؤون الشيء الكثير دون أن يتعلموا شيئاً مفيداً أو يقولون شيئاً مفيداً. إن الاختراع العظيم الذي أحلّ الكتابة محل الذاكرة في حفظ العلم، ومع ذلك نجد أن البشر حول العالم يختلفون في طريقة الكتابة، وكما قال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو: «إن العبرانيين والكنعانيين والسامريين والكلدانيين والمصريين والفينيقيين والعرب ومسلمي الأندلس والأتراك والفرس والتتار يكتبون من اليمين إلى الشمال، متّبعين في ذلك دورة السماء الأولى وحركتها اليومية التي هي تامة الكمال بحسب رأي أرسطو، وتقترب من الوحدة». أما اليونان والجيورجيون والموارنة واليعاقبة والأقباط والصرب واللاتين فيكتبون من اليسار إلى اليمين، متبعين في ذلك دورة السماء الثانية وحركتها وهي مجموعة الكواكب السبعة. أما الهنود والصينيون واليابانيون فيكتبون من أعلى إلى الأسفل، وفقاً لنظام الطبيعة التي أعطت البشر الرأس عالياً، والأقدام إلى أسفل. وعلى عكس المذكورين، فإن المكسيكيين يكتبون إما من الأسفل إلى الأعلى، وإما في خطوط لولبية كالتي ترسمها الشمس بدورتها السفلية على الأبراج.. وهكذا: بهذه الضروب الخمسة للكتابة، فالأسرار والألغاز لتتابع العالم ومجموع كروية السماء والأرض، قد أُشير إليها وعُبّر عنها تماماً في طريقة الكتابة. الكتابة هي الذاكرة الخارجية للعقل، وبها يقيد العلم أو كما قيل «قيدوا العلم بالكتابة»؛ وتزيد الكتابة من نسبة التنبيه للعقل، كما تسمح الكتابة للأدمغة بتقييم البيانات المتلقاة وتنظيمها مما يجعل تثبيت الأفكار والمفاهيم في العقل أكثر فعالية. ولا شك أن الكتابة أداة إبداع ووسيلة لنقل المعلومة والإعلام. إن الحرص على الكتابة مفتاح لتنمية الدماغ والمهارات الحركية، والحفاظ على الثقافة والتواصل مع التاريخ.