الكتابة فن ماتع؛ يبحر بك بلا قيودٍ نحو ما تفكر بنثره دون توصيف لحروفك، أو نقد لمضمونك، فالمسؤولية فيه إطار عام، رهينٌ لمعتقداتك وقيمك وما تؤمن به، بل حتى ما تشعر به، ليأتيك الحكم لاحقاً بصواب وخطأ ما أظهرت، وتحمل تبعات ما اقترفت، لتكون الوصية لمن يحبك أن تكون حصيفاً، متشبثاً بحسن التدبير؛ متمسكاً بالممحاة وسيلة تقويمك، وتعديل نثرك، لتخرج نصوصك بشكل يرضيك. إن ما تكتبه في محبرتك من نصوص نثرتها من الأنين، والحزن، والفرح، والتوصيف، وكل ما تشعر به، أمر تستطيع مسحه ومحوه، والتعديل عليه بسهولة ويسر، شريطة أن يكون ذلك كله قبل اعتماده وابرازه! لكن هناك كتابة خطرها عظيم، وأثرها عليك جسيم؛ حيث تتسرب لعقلك وفؤادك، وتشق طريقها نحو معتقداتك وقيمك بسلاسة وهدوء، مغتنمةً فرص ذبولك وذهولك، وأحياناً خضوعك؛ لتصنع منك شيئا آخر قد لا ترتضيه، ولا ترى أنك قد تصير إليه. إن ما تكتبه في صدرك ومعقل قلبك أمر يصعب محيه، ويندر تجاوزه؛ فعمق ما تكتبه بصدرك باذخ الأفق، يكتب بدقة، ويحبَّر بسماكة، فيكون متنه عميقاً في طوله، ثقيلاً في عرضه ومبناه، حينها يعيد السيطرة على مشاعرك، فيقبض ويبسط، ويحكم بما يريد من مقدار فرحك، وسيل حزنك، ويجعلك تدور في حلقة أعدها لك بقرارك. انتبه! أن تكتب ما يصعب محوه، وأرفق على قلبك وأسعده في كتابة ما لا ترغب طمسه، فالعلاقة بينك وبين ما تكتبه في صدرك علاقة عميقة، وأثرها عميم، فهو لا يريد لك التعاسة؛ لكن قلمك أجبره على الرضوخ لرغباته، فدوّن ووثق مشاعر السلبية، والخوف، والحزن؛ لتكون حاضرةً في عقلك ووعيك، وجميع مثيرات حدسك. ختاماً: ممحاتك دليل وعيك؛ فرفقاً بقلبك!