تقوم المدرسة اليابانية للإدارة على الجودة المستمرة والعمل الجماعي والمرونة العالية في الأداء، بينما ترتكز المدرسة الأمريكية للإدارة على الإنجاز الفردي والتنافسية والمواءمة بين المركزية واللامركزية والاهتمام بالأداء، في حين تعطي المدرسة الفرنسية للإدارة أهمية كبيرة للهيكل الهرمي والتخطيط الشامل. ومن المقارنة السريعة المركّزة أعلاه بين ثلاث من أهم وأكثر المدارس الإدارية حضوراً وتأثيراً في الفكر والثقافة الإدارية، يمكن ملاحظة تمثل وحضور أبرز ما يميز النظريات والفكر الإداري للمدارس الإدارية الثلاث في الأداء الفردي والجماعي والدرجة العالية من التناغم والانسجام في إدارة وتشغيل محركات الحج المباشرة وغير المباشرة، التي يكشف عنها ويؤكدها حجم الإنجازات ومستهدفات الحج الشاملة والجزئية، المتمثلة بضمان أداء مناسك الحج بكل روحانية وأمن وسلامة في كل محطة زمنية ومكانية يقتضيها كل مشعر من مشاعر الحج ومناسكه، مع كل ما يتطلبه ذلك من مراعاة وحفظ لسلامة وأمن الحجاج مع الحرص والاهتمام البالغ بتحقق كل ذلك في بيئة صحية وغذائية وروحانية وأمنية مريحة، ومن خلال إجراءات مبسطة وميسرة، مع كل ما يقتضيه ذلك من التوعية والإرشادات الضرورية بمختلف اللغات المحكيّة للحجاج، وبما يكفل أداء مناسك الحج بطريقة صحيحة سليمة. ليس مهماً أو مطلوباً أن يعرف الحجاج الفرق بين ما تقدمه وزارة الحج وما تقدمه وزارة الشؤون البلدية ووزارة الداخلية أو وزارة الصحة أو حتى ما تقدمه الجمعيات الخيرية والمتطوعون، لكن المهم أن تتوفر كل خدمات المواصلات والاتصالات والإقامة والخدمات الصحية والغذائية في وقتها وفي مكانها وحسب طلبها والحاجة إليها في أجواء إيمانية وبيئة روحانية صحية آمنة، تضمن أن ينقطع فيها الحاج للعبادة دون أن يضطر لأن ينشغل بلحظة أو عن لحظة من هذه اللحظات الروحانية الإيمانية الاستثنائية، التي تكبّد من أجلها مشقة الترحال وعناء السفر. إن التناغم والتماهي والاتساق في الخدمات والمنتجات الحكومية المختلفة الذي أثمر عنه التنسيق بين القطاعات العامة والأجهزة والمؤسسات الحكومية المختلفة في تقديم الخدمات وتنسيق مستهدفات تلك المؤسسات مع الأهداف الإستراتيجية للحج، يعكس المستوى الذي وصلته الإدارة الكليّة والجزئيّة في منظومة العمل الحكومي للمملكة العربية السعودية، كما أنه يعكس الاحترافية العالية في توظيف الرقمية والتقنية فيما وصلته نظرية إدارة الحج الحديثة. ما يدفع للاعتقاد بأننا أمام تجسّد نظرية حديثة للإدارة تأخذ بأفضل ما أفضت إليه أهم نظريات الإدارة، هو النجاح المتكرر لإدارة وتشغيل مناسبة سنوية فريدة في العالم تتمثل بملايين البشر مع تنقلهم في أكثر من محطة زمنية ومكانية خلال فترة وجيزة وإقامتهم ومعيشتهم وتأمين مستوى عالٍ من خدمات المواصلات والاتصالات وضمان تحقق هدف كل حاجٍ وحاجة من الأجواء الإيمانية والبيئة الروحانية الصحية الآمنة. إن حجم الحشود وتنقل تلك الحشود خلال فترة وجيزة بين أكثر من محطة زمنية ومكانية مع كل ما يستلزمه ذلك من متطلبات أساسية عامة أحد أهم تجسّد هذه النظرية الإدارية التي هي في الحقيقة لا تختلف عما يشهده القطاع الحكومي السعودي ككل من تناغم وتماهٍ في العمليات والإجراءات في سبيل تحقيق المستهدفات. كما أن ما يدفع للتأكيد على تجسيد هذه النظرية الإدارية البارزة في منهجياتها ومستهدفاتها، هو الانسجام والتناغم في التنسيق بين الخدمات المقدمة من القطاعات الحكومية وتلك المقدمة من القطاع الخيري أو القطاع الثالث، حيث وصلت لمستويات متقدمة في موسم الحج، ناهيك عن الأعداد الضخمة من المتطوعين المنخرطين في تقديم الخدمات للحجاج سواء في المشاعر المقدسة أو في منافذ المملكة البرية والجوية والبحرية لمختلف مناطق المملكة وكل ذلك ينضوي تحت إدارة الحج. أخيراً، لو كان هناك مؤشر عالمي لقياس وتصنيف أفضل الدول في إدارة مناسبة بحجم ونوعية الإدارة التي تتم بها مناسبة الحج، لكانت المملكة الأفضل بنموذج الإدارة الحديثة والمتمثل في إدارة الحج، وهذا ينسجم تماماً ويتسق مع الأرقام القياسية والمستويات المتقدمة التي حققتها المملكة خلال السنوات الأخيرة بفضل البيئة الإدارية المحفزة وتشجيع الابتكارات وتبنّي الرقمية والتمكين في مجالات شتى للأفراد والمؤسسات، وأرى تسجيل هذا النجاح للنموذج الإداري في الحج في المنظمة العالمية للملكية الفكرية. ونجاح النموذج الإداري في الحج انعكاس للتحولات الكبيرة في الإدارة والتغيرات في البيئة الإدارية التي تشهدها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في المملكة الذي يقوم على رافعة التقييم والتطوير المستمرين، وفوق ذلك رؤية القيادة المتوسطة وبعيدة المدى.