يعتقد الكثير منا أننا - في معظم حالاتنا وربما كُلها - نفكر ونتخذ قراراتنا بشكل موضوعي وبناءً على المنطق ونستخدم العقل في ذلك. لكن هذا غير صحيح بمجمله، بل إن العكس هو الأقرب إلى الصحة. وهذا يقودنا إلى الحقيقة العلمية الصادمة التي تقول إن معظم قراراتنا من كثير منا غير موضوعية ونتخذها بناءً على العاطفة ونستخدم مشاعرنا في ذلك. وهنا قد يسأل سائل، ألا ترى أن هناك مُبالغة في عبارة ال «كثير منا» قراراته غير موضوعية؟ للإجابة على هذا السؤال، فإننا سنستند إلى برهانين؛ البرهان الأول هو الاستدلال بالحقيقة العلمية التي تقول بأن الرجال يميلون إلى الموضوعية والمنطق والعقل في اتخاذ القرارات أكثر من النساء اللواتي يتميزن بأنهن أكثر عاطفةً ومشاعر من الرجال، وبهذه السمة التي لديهن بالفطرة فإنهن يُحدِثن توازنًا جميلًا في الحياة. بما أننا معتقدون بصحة هذه الحقيقة العلمية، فإن البيانات الإحصائية التي أصدرتها منظمة الأهمية السكانية (Population Matters) على موقعها الرسمي تقول إن قرابة نصف عدد سكان العالم - الذي يتجاوز 8 مليارات نسمة - من النساء. البرهان الثاني المتعلق بأن معظم قراراتنا غير موضوعية هو ما نعيشه من أحداث تدل على ذلك. فما نشاهده من جرائم ومرض وفقر لدى معظم شعوب العالم دليل على أن تلك الشعوب اتخذت قراراتها بعاطفية. فقرارات المجرمين - عند ارتكابهم للجريمة - تكون غير موضوعية، وأن أكثر أسباب المرض والفقر تكون نتيجة لقرارات تم اتخاذها مسبقًا لم تكن موضوعية. فلنوضح ذلك أكثر ونأخذ الإجرام كمثال. نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي BBC) دراسة قام بها علماء الجريمة - هم مجموعة متخصصون في دراسة الجريمة - أن من أحد «الأسباب الطبيعية» الرئيسة لارتكاب الجريمة هو: الغضب. ومنبع الغضب ليس العقل بل العاطفة. فتخيل معي، لو أن معظم قراراتنا تم اتخاذها بموضوعية ومنطقية وعقلانية فإن نتيجة ذلك ستكون أننا سنعيش بأمان وصحة وثراء، وسَيَقِل عدد المجرمين والمرضى والفقراء، لكننا في واقع الأمر لا نعيش في كوكب أفلاطوني خيالي أو مدينة فاضلة مزعومة. بذلك قَدَّمنا برهانين على أن معظم قراراتنا لكثير منا غير موضوعية. لذلك فإننا بحاجة إلى أن تميل كفة اتخاذ القرارات بموضوعية، وهنا نطرح السؤال التالي: كيف يمكننا أن نتخذ قراراتنا بموضوعية ومنطقية وعقلانية؟ وهو عنوان هذا المقال. يكون ذلك بعدة خطوات، أذكر منها خمس خطوات: أولًا، الوعي بذلك، وأنت عزيز القارئ عزيزتي القارئة بقراءتك لهذا المقال فإن وعيك قد زاد ومعرفتك قد نمت. فعندما نقوم بإتخاذ قرار ونستحضر كامل وعينا وتركيزنا ومعرفتنا فإننا نعمد إلى اتخاذ قرار بشكل موضوعي. ثانيًا، بذل جهد كافٍ في التفكير والتحليل والاستشارة قبل اتخاذ القرار. مثال، نفترض أنك ترغب في المفاضلة بين عدد من المتقدمين لوظيفة، فتطرح على نفسك مجموعة الأسئلة للتفكير في الاجابات عليها وتحليلها، وهذا يساعد في اختيار الشخص المناسب للتوظيف؛ كذلك استشارة مديريك وزملائك ومرؤوسيك وربما أشخاص من خارج منظمتك في هذا الأمر. ثالثًا، تحديد مجموعة من القيم التي تؤمن بها وتُطبقها في عملك. مثل، أنك تؤمن بأن العدالة بين الموظفين في العمل لها قيمة عالية، ولا يمكن أن تتنازل عنها عندما تتخذ قراراتك. رابعًا، وضع معايير أساسية عند اتخاذ قرارات إستراتيجية، وأن تلتزم بتطبيق هذه المعايير، بحيث تكون صياغة هذه المعايير تتراوح بين الصرامة (العقلانية) والمرونة (العاطفية). مثل، أن تطلب من مرؤوسيك أن يقدموا أعمالهم بمعيار محدد ومعلن من الجودة والاتقان، وفي نفس الوقت تكون مرنًا في أمور أخرى مثل موعد تسليم تلك الأعمال، من منطلق أنك لا تطلب سرعة إنجاز الأعمال بل جودتها. الطريقة الخامسة، التدريب على استخدام العقلانية والعاطفية معًا عند اتخاذ القرارات، وهنا علينا أن نحدد في أي الحالات نميل إلى استخدام إحدهما؟ ومع منْ؟ فمثلًا، عندما تُكلف أحد مرؤوسيك الأكفاء بالقيام بمهمة جوهرية، فإنك توصيه بأن يكون حريصًا على تنفيذ هذه المهمة بالشكل الصحيح، وتكون غالبًا دقيقًا وصارمًا معه في التعليمات لكي ينجح في تنفيذ المهمة. وفي نفس الوقت تكون مرنًا معه إذا تجاوز حد المبلغ المسموح له بالإنفاق لإتمام هذه المهمة. أخيرً، استخدام الموضوعية والمنطقية والعقلانية ليس عملًا سهلًا، فهو يحتاج إلى جهد وصبر ووقت من المدير والموظف لاتخاذ قرار صحيح نافع للمنظمة التي يعمل فيها، وبكثرة تلك القرارات الصحيحة لدى كثير من تلك المنظمات يعود ذلك بالفائدة على الوطن.