قبل عقدٍ من الزمان، خطّ قلمي على صفحات الوقت مقالاً، عنوانه «ماذا بعد الثلاثين، يا عبدالله؟». ذلك السؤال بقيت ذكراه في ذهني لا تغيب، وكأنه كُتب في الأمس القريب، عقدٌ مضى كالبرق، تسابقت فيه الأيام بأحداثها المتلاحقة وتجاربها المتنوعة، في إيقاعٍ أيامه متسارعة، رُسمت بلحظات من السعادة وساعات من الألم، ودقائق من الشدة والرخاء ودموعاً من الفرح والرضا سطرتها دفاتر الذكريات. بفضاء هذا العقد، ودّعنا قلوباً كانت لنا يوماً مرايا للفرح، واستقبلتنا أحضاناً جديدة، رممت بحنانها كل أوجاعنا ورسمت في ملامحنا البسمة، وكانت لنا البلسم وروح العطاء في كل الأوقات. «الثلاثين»، تلك المحطة التي حللت عليها ضيفاً شاباً تسكنه روح العزوبية، أقف على مشارفها الآن أيضاً شاباً ناضجاً وقائداً لربان سفينة جميلة عنوانها «الأسرة»، التي أصبحت معها اليوم أباً لأجمل طفلين أو رجلين إن صح التعبير في المستقبل القريب بإذن الله، هما لي السند في قادم الأيام «حمد وسلمان» النبض الذي يملأ قلبي بالحياة، والسعادة التي تغمرني في كل حين. عقدٌ كتبت فيه الأحلام وشُيّدت معه الآمال ! فكما يقال «إذا كانت الثلاثينات هي الوقت لزراعة الأشجار، فإن الأربعينات هي الوقت للاستظلال بظلها». وإذا كانت الثلاثينات للنضج، فإن الأربعينات للتحمل، قريباً تنطوي صفحة الذكرى تلك، وتتجدّد في نفسي عزيمة الاستمرار برحلة الحياة، متسلحاً بالحب والأمل، متأملاً في كل جديد يحمله لي القدر. فالحياة بحرٌ لا ينفك يمنحنا الدروس في كل حين. أصدقائي ستمضي بنا الحياة مختبرةً لإرادتنا ومحفزةً لأرواحنا على التطلع دائماً نحو الأفضل، لنودع معها عقداً ونقف على أعتاب آخر، نحمل فيه حكمة الماضي وأحلام المستقبل، فكما يقولون «لو كان العمر كتاباً، فالأربعون هي الصفحة التي تبدأ فيها القصة الحقيقية».