إن واقع الحال يتطلب وقفة جادة، وتدخلاً حازماً من قبل الأجهزة المعنية في الدولة، فالدعم من القطاع الحكومي للجمعيات الخيرية التي تمارس عمل برامج الحفاظ على النعمة لا يكفي، بل نرى ضرورة تطبيق غرامات مالية وعقوبات (كمرحلة أولى) على أي قطاع فندقي أو مطاعم تتورط في هدر الطعام، وتقوم بإتلافه دون الاتفاق مع الجمعيات التي تحافظ على النعمة، وهو مطلب ليس صعباً تحقيقه. لا بد أن يتزايد وعي الجميع حول هذه القضية الخطيرة (هدر الطعام)، ونتحول إلى كرماء بالفعل، وليس مسرفين. صدمني تقرير صادر عن (وزارة البيئة والمياه والزراعة) عن هدر الطعام يقول: «إن القيمة الإجمالية للهدر في المملكة تقارب ال40 مليون ريال سنوياً»، وهو في مؤشر على تزايد مظاهر البذخ والإسراف بصورة غير مسبوقة. وعند التوقف بتأمل لتحليل أسباب هذه الظاهرة، سنكتشف أن الطباع النبيلة المتأصلة في مجتمعنا من حب البذل والعطاء وتقديم الصدقات، تلعب دوراً كبيراً في وصول الهدر لهذه الأرقام المعلن عنها، وهو ما يشكل علامة استفهام لا بد من الانتباه لها، والتحذير منها، فنحن هنا نحن لا نحارب الصفات الحميدة التي تحولت، ولله الحمد، إلى جزء من ثقافتنا، والتي يحثنا عليها ديننا الحنيف، لكن لا بد من نشر الوعي لدى أبناء المجتمع بكافة شرائحه عن الفارق بين الكرم والإسراف. يرتبط إهدار الغني للطعام في أغلب الأحيان بالكرم، وهي صفة حميدة إذا راعى صاحب الوليمة أن يتم الحفاظ على النعمة، ودأب الاتفاق مع الجمعيات الخيرية لتقوم بإعادة تأهيل وتجهيز المتبقي من هذه الولائم بطريقة احترافية، حتى يتم إعادة توزيعه للناس الأكثر احتياجاً، بما يضمن تحقيق مبدأ الكرم وكسب أجر الصدقة ويحافظ على النعمة، لكن إذا لم يلتزم صاحب الوليمة بهذا الأمر، ويحرص على حفظ النعمة، ستتحول خصال الكرم -للأسف- إلى مرض اجتماعي خطير يسميه الكثيرون (الهياط)، وهو نوع من التبذير والتباهي، تبدو عواقبه وخيمة على صاحبه في الدنيا والآخرة. أما ما يخص الفئات المستفيدة من هذه الأطعمة، ومنها على سبيل المثال ما يحدث في موائد إفطار الصائم، فقد لاحظنا -وفق ما تداولته بعض مواقع التواصل الاجتماعي- كميات كبيرة من الأطعمة يتم إهدارها، لأنها فائضة عن حاجة المستحقين، ومن المؤسف أن يتم التخلص منها في مكبِّ النفايات بصورة سيئة، وفي هذه الحالة يتحول المستفيدون أنفسهم إلى آثمين ومشاركين في إهدار الطعام.