الصورة المخزية والقبيحة التي ظهر بها وعليها الكيان الصهيوني في حربه الأطلسية على الشعب الفلسطيني تؤكد أن هذا الكيان نمرٌ ورقيٌ متعدد الأغراض، أسّسه ونفخ فيه «الغرب الاستعماري الصليبي الرأسمالي»، وحاول أن يصنع له اسماً وهوية ومقعداً في الأممالمتحدة. كان الغرب يرمي إلى تحقيق أهداف عدة من وراء إيجاد هذا النمر الورقي، أحدها أن يكون فزّاعة يخيف ويضرب بها الدول والشعوب التي تتململ وتحاول أن تخرج من السياق الذي رسمه المستعمر الغربي لضحاياه في الأمس من الدول والشعوب التي تتجرأ على الخروج من عباءته. إسرائيل هي الناتو، مع اختلاف المستهدفين، فالناتو الأطلسي يستهدف روسيا والتوسع بضم الدول المتاخمة لروسيا وزعزعة الأمن في الدول الصديقة لروسيا بهدف زعزعة استقرار روسيا ونزع قدراتها، أما الناتو الآخر فهو إسرائيل مع اختلاف الحلفين وأهدافهما وسرديتيهما المعلنة. الناتو الإسرائيلي تدفع الولاياتالمتحدة رواتب سكانه كقاعدة عسكرية دفاعية وهجومية متقدمة. هذا الناتو الإسرائيلي لا يستهدف روسيا وإنما مناط به تحقيق أهداف إمبريالية غربية أخرى. أولاً: لتثبيت الخطوط الحمراء والمسافة الثقافية العنصرية الكافية بين المستعمِرين والمستعمَرين. ثانياً: الحفاظ على الخطوط الحمراء والمسافة الأمنية الكافية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. ثالثاً: تقويض الأمن والاقتصاد والاستقرار، وزراعة الفوضى، واستنبات الفساد، وتمكين تجارة البشر والمخدرات من مفاصل الدولة العربية والأفريقية. رابعاً: ضرب أي تقارب بين قوى ودول إقليمية مع قوى عالمية مثل الصينوروسيا، والإبقاء على رابطة التبعية الثقافية بين الدول المستعمِرة والدول المستعمَرة. فكرة ناتو «إسرائيل» لا تتناقض مع سردية الغرب من وراء تأسيس هذا الغرب «دولة» إسرائيل في فلسطين، التي أراد من خلالها طرد اليهود والتخلص منهم نتيجة لأفعالهم التي عانت منها المجتمعات الأوروبية حسبما تذكر كتب التاريخ الأوروبي، والتكفير عن «عقدة الذنب» المنافقة لدى الغرب، فرمى بهذه الكائنات في فلسطين تحديداً لاعتبارات إستراتيجية وللرمزية التاريخية للصراعات الدينية والحروب الصليبية، فيتخلص هذا الغرب «البريء» من عقدة الذنب المنافقة. وبسبب التكاليف الباهظة التي تتكبدها الولاياتالمتحدة من الإنفاق وتمويل هذين الحلفين العسكريين «ناتو 1» المعلن و«ناتو 2» غير المعلن يضطر الأمريكيون ومعهم الأطلسيون للاستعاضة بنفخ النمرين الورقيين بالإعلام وإعطائهما حجماً أكبر من حجمهما وقدراتهما بكثير. فقبل حرب الكيان على غزة وقبل حرب الغرب على روسيا كانت قوة إسرائيل (الناتو الخفي) جبارة وقوية ولا تضاهى، حتى مرّغت المقاومة أنوفهم بالوحل ووضعتهم في حجمهم الطبيعي والحقيقي. وكذلك فعل الروس في حربهم مع حلف الأطلسي في أوكرانيا. ليس من المبالغة أن 80% من قوة إسرائيل وديموقراطية إسرائيل لا توجد إلا في الإعلام الغربي. هذا الإعلام الغربي الذي وظف انتشاره وقوته ليقدم إسرائيل كأقوى جيش في المنطقة، بل وصورها بأنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة. والحقيقة أن جيش إسرائيل مهنياً وأخلاقياً لا يمكن بأي مقياس أن يصنف سوى بمجموعات من المرتزقة ومصاصي الدماء، أما الديموقراطية وحقوق الإنسان فتكفي إبادتهم لأسراهم سواء كان ذلك بدافع الرعب والخوف وعدم المهنية أو بسبب سوء أخلاقهم وانحطاط قيمهم. المضحك حتى المسخرة هو الإعلام الغربي، خاصة الإعلام الأمريكي، الذي وجد نفسه يعرض الصورتين الأمريكيتين المتناقضتين: أمريكا التي تمول وتشرف على القتل الجماعي والإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الأطفال والنساء في غزة، جنباً إلى جنب نظام الأبارتايد الصهيوني في فلسطين، والصورة التي تقدم المساعدات من الجو. كيف يمكن للإعلام الأمريكي أن يمسح العار عن نفسه بعد تكشف ضلوعه وتورطه مع حكومته في حرب إبادة الأطفال والنساء في غزة؟ كيف للإعلام الأمريكي أن يقدم نفسه بعد تورطه بإخفاء الحقائق طول عقود الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟ كيف يسوغ الإعلام الأمريكي للرأي العام الأمريكي التضليل الذي مارسه كل هذه العقود؟ هل سيستمر هذا الإعلام الأمريكي في محاولاته اليائسة بالتضليل، فيما لو استمرت إسرائيل «الديموقراطية» بحرب جيشها «الذي لا يقهر» بإبادة الأطفال والنساء في غزة والضفة الغربية؟ وكيف سيخرج الإعلام الأمريكي الصورة النهائية لإسرائيل وأمريكا فيما لو توقفت الحرب دون انتصار الغزاة والمرتزقة؟ هل سيتجرأ الإعلام الغربي والنخب السياسية الغربية على الحديث عن حقوق الإنسان والديموقراطية بعد حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية؟ إلى متى يصمد الإعلام الصهيوني وشبه الصهيوني في إنعاش الصورة المضللة، ومحاولات إخفاء الحقيقة؟ هل أنهت غزة السردية الغربية الصهيونية للصراع في فلسطين؟ وهل قوضت غزة إمبراطورية الإعلام الصهيوني؟