•• التقيت ذلك الرجل ذا الابتسامة المشرقة في طائرة أقلتني إلى «جُدَّة» مدتها ست ساعات.. استمتعت بما قاله عن جمال أحلامه المليئة بالدفء.. قائمة اختياراته من الأماني الواقعية تبعث أملاً وتطلعاً.. ذلك المخلوق الجميل بقلبه المفعم بالود وامتلاكه المقدرة على الإمساك بناصية الحوار؛ اكتشفت من حديثه أنه يحمل في قلبه وهاداً ووهناً، ولا يخلو أي إنسان من رحيق همٍّ ومذاق غمّ. •• بعض البشر تحمل حياتهم هموماً وأحزاناً يصعب تفكيكها، ومع ذلك يشمون رائحة الحياة بجمال أخاذ وكأنهم يستنشقون رائحة وردة جُورية.. أولئك المتفائلون يحملون طاقة إيجابية بطمأنينة واطمئنان تمنحان البهجة وتزيلان الابتئاس.. هؤلاء الذين تحتل الابتسامة وجوههم؛ يظلون منغلقين على أوجاعهم محتفظين بها فلا نشعر بأنينهم.. أولئك الذين يتدفق ماء أرواحهم من كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. •• هؤلاء مع ما يحملون من أوجاع تقصم الظهر والقلب؛ إلا أن الصلابة والبسالة تعيدهم على الدوام إلى وهج الحياة وبسمتها.. ومع انغماسهم في الأتعاب؛ إلا أنهم أقوياء بحصانة من إيمان وتقوى.. ومع إعيائهم الذي سبب لهم ضغوطات نفسية مفعمة بالأسى؛ إلا أنهم يطردون الإحباط من دواخلهم كلما زارهم.. هؤلاء مثل نباتات «العوسج» ذات الأغصان الشائكة التي تصلح أن تكون سياجاً. •• من يعرف كيف ينتصر على حُزنه؛ يبقى بابه مفتوحاً للحياة، وستتوارى عنه الكآبة بتفاصيلها العابسة الكامدة.. ومن يعرف كيف يضع يده على جرحه؛ سيغتال خوفه ولن تزوره العتمة السوداء، وستظل ابتسامته مشرقة على وجهه.. أما من يبقى سجيناً لأوجاعه؛ لن يقوم من كبوته، ولن يبلغ الصباح لكي يرى الشمس.. شؤون هؤلاء وشجونهم جعلت الحياة تتغير عليهم دون أن ينتبهوا لها.