تضعنا الحياة في الكثير من المواقف، وتختبر قدراتنا، وعلينا أن نجازف، فنتخلى عن قيمنا فلا وِدّ يدوم، ولا تَكَاتُف، وكأننا في أول خطوة للتعارف، فتصبح الأحاديث تَخَاطُف، وتتنافر الأرواح فلا تَخَاطُر ولا تَهَاتُف.. نغضب ونعاتب، ونثور ولا نعود نخاطب، ونصر على أن بالاعتذار نطالب، ولا نميز بين الصادق والكاذب، ونساوي عند الغضب بين العدو والصاحب، والغريب ومَن مِن أقرب الأقارب.. ليس هذا ما أمَرَنا به الدين، وليس ذاك ما عَلِمْناه من النبي الأمين، وأين نحن من صفات المسلمين، ومن سمات المتقين، ونحن أولى بأن نكون بنبينا مقتدين، وعلى هديه سائرين، ومن هنا وجب علينا أن نكون متسامحين، وعن من يخطِئ بحقنا عافين، ولا سيما إن كنا على العفو قادرين، ولم نكن مجبرين، فنصبح عند الإله من المصطفين، وبين الناس من المفضلين.. إن جاءك المخطئ معترفاً فسامح، وإن جاءك راغباً فصافح، وإن عاد معتذراً فصالح، والبدء أفضل إن كنت في الجنان سارح، فمن جُرِح مطالب كالجارح، وعند الصلح تجتمع المصالح، وتتفق الجوارح، وتختفي من ذهننا كل الفضائح، وتعود العلاقة لوضعها كالبارح، فلا نهجر أحبة ولا لمجلسهم نبارح، فإن كان في النفس شيء فجميل أن تصارح، على أن تخفي مشاعر ولها تقاوح، فإن لم تفعل فلا تنافق كمن تدربوا على المسارح، وكن للندب ماسح، وكن للغير ناصح، وكن بالنصح واضح، ولا تكن للذنب شارح، فالقرآن جاء للمتسامحين مادح، والله قال بأنه للأجر مانح، (فمن عفا وأصلح) جاءت بالأمر واضح، فأنت بالصفح رابح، ولباب الود بعد إغلاقه فاتح، ولباب الجنان الذي لا يلجه إلا المكافح، وهو في الدنيا المسامح، وهو بالأخلاق مصلح سيما إن كان صالح، فلنسامح كل مخطئ ذنبه بالوجه فاضح، لا تبارح مطرحاً إلا وفيه الحقد طارح، وابتدئ بالصلح حالاً وواجه الخصم وصافح، طالما فُتِح المجال وطالما آن الأوان وصار وقت الصفح سانح، ليس أجمل أن نُفَعِّل يومنا «يوم التسامح».