حذر الكاتب الأمريكي توماس فريدمان من استمرار إسرائيل في الغزو البري لغزة مخافة أن تغوص في وحلها إلى الأبد، وأن تصبح كل «علل» القطاع تحت مسؤوليتها، وأن تضطر إلى إدارة سكانه الذين يزيد عددهم على مليوني شخص يرزحون تحت وطأة أزمة إنسانية. وأكد أن ترويض غزة بشكل نهائي يظل دوما «ضربا من الخيال». ولفت فريدمان في مقاله الأسبوعي بصحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن هدف إسرائيل المعلن من الغزو هو استعادة أسراها المحتجزين، وتدمير حماس وبنيتها التحتية بشكل نهائي. واعتبر أن إسرائيل تتصرف بدافع غضب أعمى بغية الوصول لهدف لا يمكن تحقيقه وهو محو حماس من على وجه الأرض ودون أن يكون لها خطة لما بعد ذلك، محذرا من أن التمادي في ذلك قد يعني الغرق في وحل غزة إلى الأبد. واقترح أن تقتدي إسرائيل بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) التي أنشأت «خلية حمراء» أو «فريقا أحمر»، وهي مجموعة من موظفي الاستخبارات خارج سلسلة القيادة العسكرية أو السياسية المباشرة، والتي توكل لها أساسا مهمة فحص خطط الحرب وأهدافها للعراق وأفغانستان وإخضاعها للاختبار باقتراح بدائل متناقضة للأهداف القابلة للتحقيق لاستعادة الأمن والردع الأمريكي. وأضاف أن إسرائيل بحاجة إلى إجراء نقاشات داخلية أكثر حيوية لأنها «اندفعت بوضوح إلى حرب ذات أهداف متعددة ومتناقضة». وفي مواجهة مأزق إسرائيل بنقل حربها البرية من شمال غزة إلى جنوبها، نصح فريدمان الفريق الأحمر الإسرائيلي بتبني بديل «متشدد» يدعو لوقف إطلاق نار دائم، يتبعه انسحاب مباشر لجميع قواتها العسكرية من غزة شريطة أن تعيد حماس إليها جميع الأسرى المتبقين لديها من مدنيين وعسكريين، وكل موتاها، دون أن تحصل على أي أسرى فلسطينيين في المقابل. وحدد فريدمان 5 مزايا يمكن أن تحققها مقترحاته تلك لإسرائيل عبر الفريق الأحمر: أولها: أن الضغوط الرامية لوقف النار لتجنب قتل المدنيين ستقع على عاتق حماس، وليس على إسرائيل، وبذلك ستضمن إسرائيل أن الحركة لن تحصل على «أي نصر كبير» من هذه الحرب. ثانيها: أن الفريق الأحمر سيتولى الرد على شكاوى البعض -وربما كثيرين- في إسرائيل من أن الغزو لم يحقق هدفه المعلن ما سيعني انتصارا لحماس. وسيتمثل الرد في أن ذلك الهدف لم يكن واقعيا، خصوصا مع عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية اليمينية في العمل مع السلطة الفلسطينية «الأكثر اعتدالا» في الضفة الغربية لصناعة بديل لحماس يدير غزة. ثالثها: أن البديل المتشدد الذي سيتبناه الفريق الأحمر من شأنه أن يصنع نفس نمط الردع لحماس الذي أحدثه القصف الإسرائيلي المدمر للمجتمعات المؤيدة لحزب الله بالضواحي الجنوبية لبيروت في حرب 2006، إذ لم يجرؤ حسن نصرالله على إثارة حرب واسعة النطاق مع إسرائيل منذ ذلك الحين. رابعها: أن من بين أكبر الفوائد الإستراتيجية التي قد تترتب على خروج إسرائيل من غزة، مقابل وقف إطلاق النار تحت مراقبة دولية، هو أن بإمكانها تكريس جل اهتمامها على حزب الله جنوبلبنان. خامسها: أن بمقدور الفريق الأحمر أن يزعم بأن ثمة ترياقا داخل إسرائيل يتيح لها التعافي، واستئناف مشروعها المتمثل في تطبيع العلاقات مع جيرانها، وإقامة علاقة مستقرة مع القيادة الفلسطينية. وفي رأي فريدمان أنه لن يتسنى لإسرائيل تحقيق ذلك إلا بعد إزاحة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو من السلطة. لكن ماذا لو رفضت حماس هذه «الصفقة» المتمثلة في القبول بوقف النار دون إخراج 6 آلاف فلسطيني من السجون الإسرائيلية؟ أجاب بقوله: إن إسرائيل ستبقى عالقة في وحل غزة، وسيقول هذا الفريق إن لديه فكرة أفضل تتلخص في خفض مستوى أهداف إسرائيل من الحرب، والإعلان بأن الهدف ليس محو حماس، وإنما تقليص قدرتها القتالية بشكل كبير. ودعا الفريق الأزرق أن يعلن أن إسرائيل ستنسحب من غزة، وتنشئ نطاقا ومخافر أمامية بعمق ميل واحد داخل الحدود مع القطاع، لضمان عدم تعرض مستوطناتها الحدودية لهجوم بري مرة أخرى.