مؤخراً جرى تداول مقطع يجمع جميع الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين قبل حوالى عقد فقط والذين تبنوا وفرضوا بشكل رسمي أجندة الشذوذ على بلدهم وعلى العالم وهم يصرحون فيه برفض تبني أجندة الشذوذ وتطبيعه في بلدهم، فما الذي حصل خلال هذا العقد حتى قلب مواقفهم من الضد إلى الضد؟ لا قلة في نظريات المؤامرة التي تحاول فك شيفرة هذا التحول، لكن الحقيقة أنه لا توجد نظرية مؤامرة سرية إنما وقائع معلنة تبيّن خطورة أن تفلس أي أمة من وجود بديل أيديولوجي متوازن للتيارات المتطرفة، وأن يتحكم التمويل المالي بتوجهاتها، فما حصل هو على شقين: الأول: أشخاص شاذون معروفون بأسمائهم من عائلات أمريكية تملك ثروات مليارية حركهم تطبيق المثل العربي الذي روي عن عثمان بن عفان «ودت الزانية لو أن النساء كلهن زواني». لأن الإنسان لا يحب الشعور بالدونية وإدانة واحتقار المجتمع له؛ ولذا يتمنى نشر رذيلته لكي لا تعود محل استنكار وإدانة، بل محل تفاخر، فضخ هؤلاء الشاذون المليارديرات أموالاً هائلة في حملات الترويج للشذوذ بالإعلام وصناعة الترفيه. الشق الثاني: لماذا الحكومة الامريكية تبنّت وفرضت بتلك الشدة المتطرفة أجندة الشذوذ؟ السبب هو أنه حسب تقارير المخابرات والمباحث الأمريكية ومراكز الدراسات الاستراتيجية فأكبر خطر يهدد أمن أمريكا هو التيار اليميني المؤامراتي المتطرف الذي وصل لدرجة مهاجمة واقتحام الكونجرس والتخطيط لأعمال إرهابية ضد الحكومة ولحرب أهلية أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فهو وقع بنفس أخطاء التيار الإسلامي الصدامي؛ ولذا كانت التوصيات بتبني الحكومة للتيار اليساري المضاد للتيار اليميني الذي استحوذت عليه أجندة الشذوذ بسبب كثافة التمويل على حساب بقية القضايا الشريفة التي عرف بها التيار اليساري لكنها بلا ممول، والملياردير الأمريكي اليهودي جورج سورس موّل هذا التبني الرسمي لأنه يراه البديل الوحيد المتوفر للتيار اليميني المعادي للأقليات واليهود والذي اقترف اتباعه أعمالاً إرهابية عدة بحق اليهود في أمريكا، ولذا وصم «إيلون ماسك» بمعاداة السامية عندما صرح بأن سورس يريد «تقويض نسيج الحضارة ذاته، وأنه يكره الإنسانية». لكن ما هي الأيديولوجيا البديلة التي كانت ممكنة لأمريكا ويتبناها بقية الغرب بدلاً من تيار أجندة الشذوذ لمواجهة التيار اليميني؟ ببساطة هي الأيديولوجيا المناسبة لكل زمان ومكان وثقافة وهي التمحور حول المثاليات العليا الجوهرية العميقة، لكن الثقافة الأمريكية ثقافة مراهقة لم تصل أبداً إلى مرحلة النضج الجوهري الذي للثقافات القديمة، وتفتقر للفلاسفة والمفكرين الجوهريين، ولذا ليس لديها بوصلة أخلاقية فكرية جوهرية، لكنْ لديها تأثير ثقافي عالمي طاغٍ بسبب ماكينة الإعلام الأمريكي وهوليود لم يضعف بضعف موقعها الاقتصادي والصناعي؛ ولذا العالم انساق بعقلية القطيع وراءها في تبني أجندة الشذوذ كبديل عقائدي عن خطر التيار اليميني، والضحية هم الأجيال الجديدة التي يجري تشويشها وتشويه فطرتها، ولذا هو عار مضاعف على الثقافات القديمة الجوهرية أن تنساق وراء الثقافة الأمريكية المراهقة بهذا التيار، لكن هناك مقاومة جدية من جانب ثلاثة أقطاب كبرى للثقافات القديمة الجوهرية وهي؛ المسلمين، الصين، وروسيا، وحسب أحدث تقرير ومسح أمريكي فبسبب شدة تطرف فرض أجندة الشذوذ بأمريكا حصل أكبر تحول للأمريكيين بالتاريخ من تأييد الحزب الديمقراطي المتبني لأجندة الشذوذ إلى تأييد الحزب الجمهوري المعارض ضمنياً لها، أي أن تبني عقيدة الشذوذ كبديل للعقيدة اليمينية أدى لردة فعل معاكسة للمطلوب، وزاد عدد أنصار التيار اليميني حتى بين اليساريين؛ لأنها ببساطة مخالفة للفطرة العامة الأساسية للناس؛ ولذا تبقى منفرة بالنسبة لهم وبشكل متصاعد مع تصاعد التطرف في فرضها بخاصة على الأطفال.