وضعت الانتخابات الرئاسية في تركيا أوزارها وأسدل الستار بنصر جديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكأن بلاد الأناضول عادت سيرتها الأولى التي اعتادت عليها طيلة السنوات الماضية. بالرغم من أن هذه السنوات شهدت انعطافات حادة في توجهات السياسة الخارجية، ولكن هذه الانعطافات هي بالضبط الطابع الذي ميّز زعيم حزب العدالة والتنمية. ولعل العلاقة مع الدول الغربية وروسيا مثّلت النموذج لهذا الطابع الأردوغاني، فالعلاقة مع موسكو انتقلت من التوتر الشديد الذي صاحب التدخل الروسي في سوريا في شهر سبتمبر 2015 الذي تمثّل بإسقاط الطائرة الروسية، ثم الانقلاب على هذه السياسة عبر تقديم الاعتذار إلى موسكو والشراكة معها لإدارة الملف السوري إلى ما يشبه التحالف بين موسكووأنقرة الذي يقف بالضد من الإرادة الأوروبية عبر رفض أنقرة الانخراط في سياسة العقوبات التي تشنها الدول الغربية وتحاول من خلالها محاصرة الجانب الروسي وإضعافه. تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ترفض سياسات الحلف، بل وتأخذ موقفاً شبه حيادي جعل من تركيا المتنفس للاقتصاد الروسي، لتنضم تركيا إلى الصين والهند في محاولة الاستفادة من العقوبات الغربية والحصول على البضائع الروسية وعلى رأسها النفط والغاز بأسعار تفضيلية، وللمفارقة كان على أوروبا أن تدفع ثمن الغاز أربعة أضعاف سعره الروسي عندما تشتريه من الولاياتالمتحدة. إذا عددت الأسباب التركية لعدم الثقة بالغرب تجدها كثيرة ابتداء من التمنع الأوروبي بضم تركيا إلى دول الاتحاد، مروراً بمنع الولاياتالمتحدة تزويد تركيا بطائرات إف 35 بالرغم من أنها عضو في الناتو، وصولاً إلى المعارضة الأمريكية لأي تدخل عسكري تركي في شمال سوريا، بل والتحالف الأمريكي مع قوات قسد الكردية الذي تندد به أنقرة ويثير حنقها، بالإضافة إلى ذلك الموقف الأوروبي المنحاز بشكل كامل إلى اليونان في الصراع حول جزيرة قبرص والخلافات الحدودية بين أثيناوأنقرة. ومع استمرار أردوغان على رأس هرم السلطة في تركيا فإن التوتر سيستمر خلال السنوات القادمة، فالغرب يرى أن الرئيس التركي سيستمر بسياسته الانتهازية، بينما يرى أردوغان أن الغرب يتآمر ضده ولن ينسى أن هذا الغرب أيد ولو بشكل ضمني مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، كما أن العداء للغرب عنصر أساسي في خطاب أردوغان الشعبوي. البيت الأبيض سيرسم أفق العلاقة الأمنية والاستراتيجية والعسكرية باعتبار واشنطن تتزعم دول الناتو. هذا التوتر الغربي التركي سيتبدى بشكل كبير في المستوى الاقتصادي، وهنا يكون التأثير الأكبر للدول الأوروبية بسبب العلاقات المتشابكة بين الطرفين. على الأغلب سيتراجع الاستثمار الأوروبي لأن أوروبا ترى أن الإدارة الاقتصادية للرئيس التركي غير تقليدية وهي أيديولوجية وخصوصاً في الإصرار على عدم رفع أسعار الفائدة والتدخل المباشر في سياسات البنك المركزي. سماء العلاقات التركية الغربية تبدو ملبدة بالكثير من الأزمات وخصوصاً السياسة التركية الضبابية والانتهازية التي تعتمد على التناقض الغربي الروسي، وفي الغرب هناك من يريد أن يرى تركيا تدفع ثمن هذه السياسة الأردوغانية.