المرء شكاك بطبيعته، وكأن «الشك» جزء من تكوينه ومعجون بطينته، وهو متردد دوماً في خطواته وقرارته وإن كانت وفقاً لرغبته، حتى وإن جادل وأنكر، إلا أن هذا الواقع يكشف عن داخله وحقيقته. «الشك» ليس بالأمر المعيب، وليس مُنكراً ولا جُرماً، بل على العكس قد يكون في بعض الأحيان مطلباً يحمينا من التهور وتبعاته، وينجينا من التسرع وسكراته، ويبعدنا عن القرارات الطائشة التي تلقي بنا في بحر الندم، فلا نقوى على تَحمُّل ردّاته، ويجبرنا على التروي قبل منح الثقة لمن لا يستحقها من واقع تصرفاته، ويجعلنا نفكر كثيراً قبل أن نُقدِم على فعل دون إدراك لآثاره أو دراسة لحيثياته، فنظل مع شَكّنا في الطريق السليم، وننجو من شر كل منافق ولئيم. ولكنه في أحيان أخرى يحرمنا من فرص رفضناها دون دراسة، ولمجرد الشك في صدقها وحقيقتها، وقد يجعلنا نخسر أشخاصاً أخلصوا لنا، ولكننا بالشك دون مبررات أبعدناهم، وبخيباتهم منّا أقصيناهم، ولعجزهم عن إقناعنا بصدقهم صدمناهم، فحرمنا أنفسنا منهم، فلا هم كسبونا بصدقهم، ولا نحن لثقتنا منحناهم، ومن كثرة شكوكنا خسرناهم. فما أجمل الثقة إن كانت في محلها، وما أروعها إن مُنحت لأهلها، وما أطيبها إن ذقنا طعمها، وما أحلاها إن رُزِقنا خيرها، ويا لخسارتنا إن جهلنا أمرها، وما جنينا ثمرها، فبدلاً من أن نستنير بضوئها أرانا بجهل قد احترقنا بجمرها. بالشك عمن حولنا ابتعدنا، ونحن بلا شك أضعناهم وضِعنا، ولو كنا حاربنا شكَّنا لسعدنا، فالشك داء هدّنا، ودواؤه بلا شك فَقَدْنا.. فإن أردت الراحة فتعامل مع من حولك «بلا شك».. وإن أردت السعادة فاجعل الثقة منهجك «بلا شك»، وإن رمت النجاح فاسلك سبله وثق بنفسك «بلا شك». الثقة سلاح نقتل بها شكنا، فإن قتلناه عشنا الحياة كما يجب، والحب شاع، والصدق ذاع، والكل في الخيرات ساع، وكانت الدنيا متاع «بلا شك».