اندلعت في السودان مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع راح ضحيتها عشرات القتلى حتى الآن، وتكاد تشمل المواجهات مختلف أرجاء السودان، مما يجعلها أكثر المعارك التي جرت على الأرض السودانية خطورة. ولعل محاولة فهم ما يحدث تعيدنا إلى العام 2013 عندما أصدر الرئيس السابق عمر حسن البشير قراره بتشكيل قوات الدعم السريع، وكان الرجل مدفوعاً بهاجسين؛ الأول الصراع المندلع في دارفور، حيث أثبتت مليشيات الجنجويد قدرة عسكرية كبيرة في مواجهة التمرد هناك، وهذه المليشيات سوف تشكل الأساس لبناء هذه القوات. أما الهاجس الثاني فكان خوف البشير من انقلاب يمكن أن يشنه الجيش ضده بعد حالة عدم الرضى في صفوف الضباط بسبب انفصال جنوب السودان فأراد تشكيل قوى عسكرية موازية، ومن هنا قوات الدعم السريع لم تكن تشكيلات عسكرية تتبع للجيش والقوات المسلحة وإنما كانت وما زالت جيشاً موازياً. قبل العام 2019 كان البشير يمثل صلة الوصل بين الجيش وقوات الدعم السريع، أما وقد أطيح بالرجل نتيجة انحياز العسكر ضده ممثلاً بالجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) فقد انعدمت صلة الوصل وأصبحت العلاقة بين الجيش والدعم السريع مرتبطة بالتفاهم بين البرهان وحميدتي. تحالف البرهان وحميدتي طوال السنوات الأربع الماضية في مواجهة الأحزاب السياسية والقوى المدنية، ومثّل كلا الرجلين عنوان المرحلة السابقة، إلا أن العارفين ببواطن الأمور والمراقبين للوضع في السودان كانوا يدركون أن مرحلة الخلاف بين الجيش والدعم السريع قادمة لا محالة، فوجود جيشين وقيادتين لا يمكن أن يستقيم مع وجود الدولة بحد ذاته. أكثر من ذلك فإن قادة في الجيش عبروا صراحة وبدون مواربة أن بقاء تشكيلات الدعم السريع لا يمكن أن يستمر ولا بد أن تصبح هذه القوات خاضعة للجيش. شهدت ما أطلق عليه السودانيون المرحلة الانتقالية الكثير من التجاذب والخلافات السياسية حتى وصلت القوى السياسية المتوافقة مع المؤسسة العسكرية إلى ما سمي الاتفاق الإطاري في شهر كانون أول/ديسمبر الماضي، هذا الاتفاق نص على دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، في جدول زمني متوافق عليه. حميدتي فهم أن دمج قوات الدعم السريع يعني القضاء عليه وعلى مستقبله السياسي، لذلك اشترط أن يتم الدمج على امتداد عشر سنوات واستمرار التجنيد في صفوف قواته وعدم إرجاع الضباط المنتدبين من الجيش إلى قطاعاتهم، وهذا ما فهمه البرهان ومن ورائه الجيش أنه رفض الدمج والإصرار على وجود جيش موازٍ، كان شهر نيسان/أبريل الجاري هو موعد بدء التنفيذ ولذلك تفجر الصراع المؤلم الذي نتابع فصوله المؤلمة والمؤسفة. الصراع الآن هو صراع كسر عظم ولذلك تبدو الحلول الوسطى مستبعدة، ولكن المثير للقلق هو طبيعة الصراع وأطرافه والتي تجعل إمكانية الحسم لأحد الطرفين تبدو مستبعدة على الأقل في الأمد المنظور، فالجيش وإن كان يتفوق عدداً وعدة فإن قوات الدعم السريع لديها نقاط قوة لا يستهان بها، فهي تقاتل كمجموعات صغيرة وخفيفة سهلة الحركة، تجيد حرب المدن، كما أن لديها تمويلها الخاص وحاضنتها القبلية. هذه حرب لن يربح بها أحد بل سوف يخسر الجميع، وأكبر الخاسرين وأهمهم هو الشعب السوداني الشقيق، لكن أمام قعقعة السلاح يتراجع دور العقل والمنطق. ندعو الله في هذه الأيام الفضيلة أن يلهم القادة السودانيين الحصافة للجلوس على طاولة الحوار وتجنيب البلاد والعباد نفقاً مظلماً كلما طال الأمد أصبح الخروج منه معقداً وصعباً للغاية.