عند طرح الحدث التاريخي في وقتنا الحاضر، يجب أن يقدم بصورة مغايرة عن الماضي، والبعد عن سرد الحدث كما ذكره السابقون من مؤرخين وباحثين ومحاكاتهم، بل من الضروري أن يقدم الحدث بمفهومه ومعناه، والانتباه إلى أن المتلقين متباينون، وطرق العرض تنوعت؛ لذا يجب الوعي بوظيفة التاريخ التي أصبحت حرفة صانعها، والتي تكمن في البحث والتمحيص والتعمق في كتابات المؤرخين والباحثين، وإعادة قراءتها وتقديمها بصورة مبتكرة؛ لأن الحدث التاريخي هو المحرك الرئيس في تقدم وتطور المجتمعات، ويؤدي دوراً محورياً في بناء الهوية والثقافة، وهنا تكمن خطورته كعلم؛ لارتباطه بهما. وفي السياق ذاته، تزامن مع يوم التأسيس الظهور الإعلامي والمقالات الصحفية للعديد من المتخصصين وغيرهم من الهواة ومحبي التاريخ بمضامينه وفروعه، والمواطن السعودي كان حاضراً في تغريداته ومظاهر احتفالاته، وهذا أمر ليس بالمستغرب على المواطن السعودي المفتخر دائماً بتاريخه وتراثه، وهذا الظهور الإعلامي الغاية منه تصدير تاريخ المملكة بصورة تليق بصانعيه، فما يحتاجه المتلقي أو المشاهد هي النظرة التحليلية العميقة للحدث، وليس سرد التاريخ بالطرق التقليدية ذاتها، واختيار المصطلحات البسيطة السهلة المناسبة وتوضيح المفاهيم على تفاوتها، والبعد عن المصطلحات الصعبة؛ لتصل المعلومة بسلاسة وتجذب متلقيها. والجدير بالذكر أن المصطلحات عندما تقدم بالطريقة الخاطئة تسبب نوعاً من الخلط أو غياب للمعلومة، على سبيل المثال: هناك من يخلط بين يومي التأسيس والتوحيد على الرغم من وضوح الفارق بينهما، والبعض يذكر أن الدولة السعودية ثلاث دول، والبعض الآخر يكرر مصطلح «الدولة السعودية الثالثة». هذا التعداد يعطي انطباعاً للمتلقي بوجود أدوار أخرى، وهذا غير صحيح هي دولة وأسرة واحدة مرت بدورين الأول والثاني إلى أن استقرت وشهدت تنمية حضارية على عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. لذلك جاء يوم التأسيس إدراكاً من ولاة الأمر بأهمية هذا اليوم في تخليد ذكرى توحيد معظم أجزاء الجزيرة العربية، التي لم تشهد الوحدة مدة تزيد عن الألف عام. وتأسيس الدولة السعودية على عهد المغفور له الإمام محمد بن سعود، ومن ثم التجديد على عهد المغفور له الإمام تركي بن عبدالله، وصولاً لعهد التوحيد على عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، فهذه ثلاثة أطوار ما بين تأسيس وتجديد وتوحيد، وأسرة واحدة ركز أئمتها وملوكها على المصلحة العامة وتوفير الأمن في المنطقة والعناية بالحرمين الشريفين، وبناء دولة متينة قوية بتاريخها وتراثها الحضاري. وهذه المصطلحات عندما تذكر أو تكتب بطريقة خاطئة قد تضلل المتلقي وتربكه وتختلط لديه المعلومات، وهنا يكمن دور الإعلام المرئي والمسموع في اختيار المتحدثين، وعرض الحدث بمفهومه، في عصر الانفتاح على الآخر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فأغلب الظهور الإعلامي كان تكراراً لما هو موجود في الكتب وسرداً تقليدياً. نحن في زمن التفاخر بالتاريخ والتراث والحضارة، لذلك يجب أن نقدم تاريخنا بقوة وبأسلوب مغاير؛ فالمجتمع اليوم لا يريد محدثين، بل أصحاب فن وحرفة في آن واحد، فالتاريخ فن وصناعة، وفيه من النغمات والأحداث ما بين سقوط ونهوض، وقوة وضعف، وامتداد وانكماش. ويجب أن يكون للدراما حضور قوي في إبراز المشهد والملامح التاريخية والحضارية للمملكة، والأمثلة في هذا المجال كثيرة، فالعديد من الدول تعرفنا على تاريخها وثقافتها من خلال الدراما. وفي مجمل القول: إن اختيار المصطلحات عند الكتابة الصحفية أو الظهور الإعلامي من المتخصصين خاصةً مهم جداً؛ لأنهم بالنسبة للمتلقي وثيقة صادقة للحدث. ختاماً: من منا لا يتذكر مسلسل الزير سالم بتفاصيله؟