بعد أكثر من 300 يوم من الحرب، أراد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي أن ينهي العام 2022 بصورة من البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي جو بايدن لينتقل التنسيق إلى مستوى جديد في العلاقات بين البلدين؛ بالطبع الصورة هي أكبر رسالة على مسرح القتال، أما خلف الصورة فهناك أسئلة كبيرة تحدد مسار هذه الحرب. أول «الفيتامينات» العسكرية الأمريكية للرئيس زيلنسكي تزويد الجيش الأوكراني بمضادات من صواريخ «باتريوت» لتعزيز الحماية الجوية من الضربات الروسية، إضافة إلى توجه واشنطن لمنح أوكرانيا أكثر من 40 مليار دولار في شكل تمويل إضافي يمكن أن تظهر ىثارها خلال العام 2023. وقد رفعت هذه المساعدات العسكرية مستوى الرفض الأوكراني للدعوات الروسية للتسوية، وتصلبت كييف في مطالبها بإعادة الأوضاع في إلى ما قبل 24 فبراير، وهو أمر مرفوض من موسكو على كل المستويات بعد أن ضمت دونتسيك ولوغانسك إليها. بالمقابل الرسالة الروسية لزيارة زيلنسكي كانت ذات بعد عسكري تزامنا مع الرسائل العسكرية الأمريكية، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كشف تطوير أسلحة «فرط صوتية» لا مثيل لها على مستوى العالم، ودخول صواريخ «سارمات» المعروفة باسم «الشيطان» العابرة للقارات في خدمة الجيش الذي وعده بميزانية ودعم مفتوح في الحرب الأوكرانية. على الجانب الأوروبي، وعلى الرغم من عدة اجتماعات بين قادة الاتحاد الأوروبي، مازال الجدل مستمرا حول تحديد سعر الغاز نتيجة الحرب الأوكرانية والضغط الروسي على الاتحاد الأوروبي حول تصديره، وقد يتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق قريب حول الحد الأدنى لأسعار الغاز. من الواضح أن بوتين يطلق بشكل كبير سباق التسلح ضد الولاياتالمتحدة وأوروبا على الأراضي الأوكرانية، وكلما حصلت كييف على دعم عسكري غربي، ترد روسيا بتطوير منظومة السلاح وزج أنواع أخرى إلى ساحة المعركة كما حصل في يونيو الماضي حين رفعت مستوى الحرب بإدخال المسيرات إلى المدن الأوكرانية. بناء على هذه المعطيات، لا يبدو أن التهدئة تلوح في الأفق في الفترة القادمة، خصوصا إذا ما نظرنا إلى البيئة الدولية من الخلافات الصينية الأمريكية على تايوان والتحدي الكوري الشمالي للمجتمع الدولي وإطلاق صواريخ عابرة للقارات إلى تعثر المفاوضات الغربية مع إيران حول التوصل إلى اتفاق نووي. ومع مرور أكثر من 10 أشهر على الحرب الروسية على الأوكرانيا، تباعدت شروط الطرفين في التوصل إلى حل من الممكن أن يرضى به طرفي الصراع، وما يزيد الطين بلة أن الشروط الأوكرانية لم تعد منفصلة عن الصراع الغربي الروسي، وبالأحرى عن الشروط الأمريكية، إذ تحول الصراع إلى دوائر أوسع من الدائرة الأوكرانية الروسية، وبصورة أو بأخرى تحتاج أية تسوية أو نهاية للحرب إلى حالة من المقاربات الدولية الكبرى، وهي مسألة ليست مرئية في المرحلة الحالية على الإطلاق. ولعل أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تواجه الحرب في أوكرانيا هي حالة التعايش الدولي مع هذه الحرب وقطع الطرق السياسية إلى أن تصل الأزمة إلى مستوى المنتصر.. والمنتصر فقط، في هذه الحالة لن تدخل الأزمة الأوكرانية في نظام الحل، وتتحول إلى معركة صفرية بمعنى تستمر روسيا في هذه الحرب حتى تحقق الانتصار، وفي المقابل، تتمسك أوكرانيا بمطالبها بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 24 فبراير، وهذا يعني بالنسبة إلى روسيا «مغامرة» غير محسوبة، بعد كل هذه الخسائر العسكرية والاقتصادية والسياسية، وهو أمر صعب أيضا بالنسبة إلى أوكرانيا أيضا، وبالتالي فإن الأطروحات السياسية الآن ليست قادرة على إنتاج حل يطوي صفحة الحرب، بينما «الترند» الدولي اليوم هو إطلاق صراع التسليح في أوكرانيا. أما الخوف الأكبر، فيتمثل في لجوء روسيا إلى معاهدات الأمن الجماعي مع دول الجوار في الحرب الأوكرانية، وهذا يعني دخول لاعبين جدد على ميدان المعركة بموجب اتفاقيات دولية وتوسيع التكلفة والغرق في تفاصيل الحرب، بالمقابل هذا هو الحال على الضفة الأوروبية والأمريكية، إذ دخلت مع أوكرانيا في شراكة حربية وميزانيات عسكرية ضخمة لردع روسيا، فالمؤشرات العسكرية حتى الآن تقود إلى استنتاجات مرهقة على المستوى العالمي، لكن هذا لا يعني غياب المفاجآت.