يطرح رحيل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بعد نحو 70 عاما في هذا المنصب، الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام ليس بشأن مستقبل المملكة المتحدة وحدها، بل ومستقبل دول الكومنولث أيضا. وتساءل مراقب بعد هذا الرحيل الذي لم يحزن البريطانيين فحسب بل والعالم أيضا: هل تغيب الشمس عن الإمبراطورية التي اشتهرت بأنها «لاتغيب عنها الشمس»؟. للمرة الأولى منذ نحو 96 عاما سوف يكون قصر باكنغهام المقر الرسمي لملوك بريطانيا في لندن بدون الملكة إليزابيث التي أضحت في عام 1952 ملكة ورئيسة لمجموعة دول الكومنولث، التي لعبت دورا بارزا في إنشائه، وتعد المملكة المتحدة واحدة من ممالك الكومنولث ال15. مجموعة الكومنولث واحدة من أكبر المنظمات الدولية على مستوى العالم وتتكون من 54 دولة كانت كلها تقريباً مستعمرات سابقة للمملكة المتحدة، ويبلغ عدد سكانها مايقرب من 2.5 مليار نسمة أي نحو ثلث سكان العالم تقريبا. إلا أن ثمة من يرى أن مجموعة الكومنولث تحولت إلى شيء من الماضي، وأن التغييرات الجيوسياسية التي طرأت على العالم ، وضعت أعضاء هذة المنظمة في مأزق. ولا يستبعد مراقبون سياسيون استمرار " تجمع الكومنولث" بعد غياب الملكة إليزابيث، إلا أن الاهتمام به سوف يتناقص تدريجيا، إذ إن الراحلة كانت تعتبره أحد إنجازاتها التاريخية، التي ساهمت في تفعيل التعاون الدولي والروابط التجارية، وتعزيز الديمقراطية والتنمية ومعالجة قضايا مثل تغير المناخ. ويرى هؤلاء أن الكومنولث يمكن أن يكون مفيدا لدول الكاريبي ودول أفريقية. ويتخوف الخبراء أن تصبح مسألة التحول إلى جمهوريات أكثر إلحاحا بالنسبة إلى العديد من الممالك المتبقية مع اعتلاء الملك تشارلز الثالث العرش. ويتوقعون أن تختار أستراليا أو كندا رئيسا محليا، معتبرين أن هذا الأمر يعد تطورا طبيعيا بعد تغير الكثير من المعادلات السياسية التي رافقت نشأة «الكومنولث». وسبق أن صوت الأستراليون في 1999 خلال استفتاء لتقرير ما إذا كان يجب أن تصبح بلادهم جمهورية مع رئيس منتخب محليا أم تبقى خاضعة للسيادة البريطانية، لكن الاقتراح لم يتم تبنيه في النهاية. ويعتقد هؤلاء الخبراء أن هذا التوجه خصوصا بعد غياب الرمز، سوف يستمر ليس بالضرورة مع بدايات حكم الملك تشارلز، إلا أنه مع الوقت سوف تتسارع الوتيرة. يعود تاريخ الكومنولث إلى النصف الأول من القرن العشرين عند إنهاء استعمار الإمبراطورية البريطانية بزيادة الحكم الذاتي لأراضيها، تأسس في الأصل باسم الكومنولث البريطاني من خلال إعلان بلفور في المؤتمر الإمبراطوري عام 1926؛ وأضفت عليه المملكة المتحدة الطابع الرسمي من خلال تشريع وستمنستر عام 1931. فيما تشكل الكومنولث الحالي رسميًا بموجب إعلان لندن في عام 1949 والذي أدى إلى تحديث المجتمع وجعل الدول الأعضاء «حرة ومتساوية». ويترأس الملك تشارلز مجموعة الكومنولث، إذ عين اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث لعام 2018 الأمير تشارلز (أمير ويلز) ليكون الخليفة المعين لها، على الرغم من أنه لا يوجد نص رسمي يعتبر أن المنصب يورث. وبعد رحيل إليزابيث، يثار السؤال اليوم حول مستقبل ومصير هذه المجموعة.