لم يصل الأمر بين السعودية وأمريكا إلى الحد الذي أوصله إليه الرئيس جو بايدن، عندما وعد بأن يعمل على نبذ المملكة وعزلها عن العالم. حتى ونحن نعرف أن هذه العبارات قيلت قبل فوزه بالرئاسة، بواسطة تصويت مكثف وغير مسبوق عبر البريد، إلا أنها عبارات صادمة وغير مسبوقة. المثير أيضاً أن توقيت ذلك أتى متزامناً مع وقوف المملكة والتحالف المشارك معها في وجه المد الإيراني المتهور، الذي وصل إلى حدود المملكة الجنوبية عبر ميليشيا الحوثي. والأكثر إثارة للسخرية أن الولاياتالمتحدة نفسها كانت تقوم بمد هذا التحالف لوجستياً واستخباراتياً وإن بشكل محدود ومتقطع. بلا أي مقدمات بدأت إدارة بايدن بمجرد دخوله للبيت الأبيض بالابتعاد عن هذه الحرب، بل وأوقفت بيع القذائف والعتاد، وسحبت بعض بطاريات الباتريوت من مواقعها داخل المملكة. رغم أن هذه المواقف واجهها معارضون داخل واشنطن دون أن يخرجوا للعلن، بدليل حصول المملكة على الباتريوت من اليونان (عضو حلف الناتو)، وهذا لا يمكن أن يتم دون موافقة الحكومة الأمريكية. ورغم أن الخارجية الأمريكية عادت وأوصت ببيع الأسلحة إلى المملكة في نهاية العام المنصرم إلا أن تداعيات مواقف البيت الأبيض المشار لها أعلاه أحدثت شروخاً عميقة في العلاقات بين البلدين. اليوم ومع عودة إدارة بايدن إلى المنطق والواقع على الأرض وإدراكها أهمية استمرار التحالف السعودي الأمريكي الذي يمتد لسبعة عقود، يتوجب أن يضع البلدان اتفاقيات موقعة وواضحة خالية من المجاملات لتخدم المصالح المشتركة لأزمنة قادمة. لا يجب أن تخضع علاقات إستراتيجية في غاية الأهمية كهذه إلى عاطفة أو مزاج أو لحظة انفعال أو لشعار انتخابي. من هنا بدأنا نقرأ عن لقاءات مكثفة ومتنوعة بين وفود عالية المستوى من كلا البلدين تنعقد في الرياضوواشنطن لبناء جسور جديدة وصلبة تحكم تعاون الدولتين بشكل مهني ومؤسساتي تسبق الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي إلى الرياض بعد شهرين. هذا التوجه والعمل تحت مظلته أصبح ضرورياً في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى. على سبيل المثال وليس الحصر لا يمكن للولايات المتحدة والدول الغربية التي هي أيضاً دول متحالفة بشكل أو بآخر مع المملكة ودول الخليج، أن تتفاوض مع دولة مارقة ونظام إرهابي فاضح كإيران دون أن تشارك دول المنطقة بوضع مخرجات هذه المفاوضات بما يتعلق بأمنها وسلامة ممتلكاتها. كما أن المملكة عضو فاعل وهام جداً في التحالف الدولي ضد الإرهاب المدعوم إيرانياً في المنطقة سواء كان من جماعات سنية أو شيعية. لذا فتبادل المعلومات بين دول الخليج وبقية أعضاء التحالف أمر حيوي ويجب أن يستمر ويتطور لا أن يتوقف. أما الحديث الممل في الإعلام اليساري في الغرب عن الديموقراطية وحقوق الإنسان فقد أصبح فارغاً، ويتوجب على الإدارة الأمريكية أن لا تضع هذه التنظيرات محل اعتبار. الواقع أن شعوب دول الخليج العربي تمارس أنظمتها السياسية الخاصة بها والمتمثلة بالبيعة لأولياء الأمر. هذا النظام الذي امتد في السعودية لثلاثة قرون لن يتغير، بل وأثبت جدواه عند مقارنته ببعض «الديموقراطيات» المصطنعة سواء في منطقتنا أو حتى في دول العالم الغربي ذاتها. لماذا يعتقدون أننا بحاجة إلى إصلاح عربة تسير بأفضل الآليات وتضمن السلام والأمن لشعوبها وتعمل بلا كلل لبناء التنمية البشرية والاقتصادية؟. حقوق الإنسان هي الأخرى مصانة سواء للأقليات أو للأغلبية دون ضجيج أو حديث أصبح ترديده في الغرب مثيراً للغثيان. لو لم توجد هذه الحقوق لما تسابق مواطنو العديد من دول العالم على الحصول على تأشيرات العمل وأحياناً يدفعون الأموال في سبيل ذلك. دول المنطقة تحتضن الملايين من العاملين من خارجها ومن كافة الأديان والمذاهب والأعراق دون تمييز. كما أن دول الخليج والسعودية تحديداً ليست دولاً قمعية تطارد من يختلف معها كما تحرص بعض الآراء في الغرب على غرسه في عقول العامة. نعم حدثت واقعة واحدة مؤسفة (واحدة فقط) في إسطنبول، وهي الأولى في تاريخ المملكة لكن أعقبها اعتراف حكومي واعتقالات ومحاكمات وأحكام شرعية ضد من اقترفوا تلك العملية المؤلمة. يوجد كما نعلم عدد من المواطنين السعوديين في أوروبا وأمريكا يمارسون الخيانة ضد بلادهم تحت مسمى «المعارضة» دون أن يلاحقهم أي تهديد كما تفعل إيران ودول معروفة أخرى ضد معارضي أنظمتها. على الحلفاء والأصدقاء احترام هذه الكيانات والكف عن التدخل بها. فكما أننا في المملكة ودول الخليج لا نتدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول فالواجب على الأقل أن لا يتدخل أحد في شؤوننا. اتفاقيات جديدة توضح هذه الفروقات وتنص على احترامها كافية لبناء تحالفات قوية قابلة للاستمرار وقادرة على مواجهة كافة التحديات المحيطة بمنطقتنا وحول العالم.