كلنا يعرف أن التيار السروري الحركي مُني بشلل بعد القضاء على رموزه وتجفيف منابعه وهزيمة تنظيمَيْه (داعش والقاعدة)، ما أدى إلى انحسار تأثير السرورية إلا في التواصي في حسابات وهمية أو «قروبات» سرية يتباكون فيها ويندبون عهد الصحوة البائد، وما ذاك إلا لأنهم أصبحوا مكشوفين؛ فلم يعد المجتمع ينطلي عليه نفاقهم ولا تظاهرهم مهما غيروا أو بدلوا من جلودهم أو ألوانهم. أما «الرماديون»؛ فيعدون التيار الأخطر حالياً على الإطلاق، وثمة ثلاثة أسباب زادت من خطورته وأدَّت لنموه وتوسعه وانتشاره بصمت كالسرطان، وهي: أولاً: لأنه لم يسبق أن تم تسليط الضوء على هذا التيار. ثانياً: لكونه يصعب على غير المتخصص فهم تلبيسهم في دروسهم ومجالسهم ووسائطهم المتداولة. ثالثاً: صعوبة تمييزهم لكونهم هم أيضاً يُحذِّرون من السرورية والإخوان كما يحذر منها المعتدلون. هذا التيار رغم أنه صحوي -على اعتبار انتشاره ونموه في حقبة الصحوة- إلا أنه لا يمت للسرورية والإخوان بصلة، ولا لأي من التنظيمات الإرهابية المعروفة، بل إنه يناصبهم الخصومة والعداء. هذا التيار يقدِّس علماءه أكثر من تقديس السروريين لرموزهم، بل ويعتبرونهم ولاة أمر تجب طاعتهم، ويضعونهم في منزلة أعلى من منزلة الحاكم، وطاعتهم عندهم أوجب وألزم من طاعته، ورغم أنهم معادون للسرورية إلا أنهم يشتركون معها ومع سائر التنظيمات التكفيرية في أسسهم وأصولهم، ولا يخالفونهم إلا في بضع مسائل فرعية فقط. وهؤلاء «الرماديون» في العقيدة والمنهج والفِكر هم «خوارج»، وفي أوقات السِّلم مُسالمون مخادعون يُعلنون الولاء والوطنية، ويُظهرون تأييد أنظمة وقرارات ولاة الأمر، ولكنهم في الخفاء يعارضونها، ويُحرِّضُون أتباعهم ضدها، ولا يعتدون بمسائل الخلاف ولا يعذرون بالاجتهاد، بل يرون -كما يرى سائر الخوارج- قطعية تحريم ما يحرمونه، حتى وإن كان من فروع المسائل، بل ويعتبرونها من المعلوم بالدين بالضرورة!، وقد أشار سمو ولي العهد إلى هذا الصنف في لقائه مع مجلة «ذا اتلانتك»، إذ قال حفظه الله: «بعض المتطرفين في السعودية ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين». أولئك غاية في التشدد في مسائل الولاء والبراء، وأحكام الردة، والحاكمية والتبديع، ولا يعذرون الجاهل مطلقاً -إن أتى شيئاً من الأمور التي يرونها كفراً- ويكفِّرونه في السّر، ويُظهرون القول بِعُذره تقيَّة، ويُعادون ويبدعون من خالفهم. هذا التيار تطوَّر في غُلُوِّه حتى خرجت من ضِئضئه فرقة تُدعى «الحدادية» فأعلنت تكفير الجاهلِ والعاذر، ثم انبثقت عنهم -بعد زمن- فرقة تُدعى «الحازمية» التي هي الأعظم غلواً على الإطلاق فقالوا بكفر الجاهلِ وعاذرِهِ ووجوب سفك دمه، ثم بعد ذلك انضمت هذه الفرقة إلى «داعش». وقد بلغ من غلو «الحازمية» أنها اعتَبَرت «داعش» -رغم تطرف «داعش» وإرهابهم- مُرجئة كفار لأنهم -في نظرهم- متقاعسون عن تطبيق حدود الله، ومتساهلون في الحكم بشريعته! وفي المقابل «داعش» نفسها وهم شر الخوارج قامت بالقبض على عدد من هؤلاء «الحازميين» وأعدمتهم بوصفهم خوارج! خطورة التيار ثلاثة أسباب أدت لنموه وتوسعه وانتشاره. المنهج والعقيدة خوارج يظهرون تأييد الأنظمة ويخادعونها. الحدادية والحازمية يكفرون الجاهل والعاذر ووجوب سفك دمهما. تقديس الرموز يعتبرون علماءهم ولاة أمر تجب طاعتهم. «الرماديون» بين الولاء والخداع: