يلتهم خروفا في 30 دقيقة    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    إصابة طبيب في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    اختبارات الدور الثاني للطلاب المكملين.. اليوم    "مركز الأرصاد" يصدر تنبيهًا من أمطار غزيرة على منطقة الباحة    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    «الغرف»: تشكيل أول لجنة من نوعها ل«الطاقة» والبتروكيماويات    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    رصد أول إصابة بجدري الماء في اليمن    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    نائب وزير التجارة تبحث تعزيز الشراكة السعودية – البريطانية    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    القِبلة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    المدى السعودي بلا مدى    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين تفجيرات المكفِّرين وتقلُّبات المتلونين
نشر في الجزيرة يوم 28 - 05 - 2004

حق لكل مسلم موحد محب لبلد التوحيد ان يغضب ويحزن لقبح أفعال خوارج هذا الزمان ، الذين تلاعب بهم أهل الشر والزيغ والضلال حتى أوردوهم المهالك التي تغضب الرحمن.. حق لنا أن نحزن لهذا العبث في أفكار بعض أبناء بلد التوحيد حتى ولغوا في التكفير وأولعوا بالتفجير بسبب بعدهم عن نور الوحيين ونهج سلفنا الصالحين.. إن ما رأيناه من مثل هذه الحوادث والأحداث جديرة بأن تدرس أسبابها ودوافعها وبواعثها.. جديرة بأن تناقش بصراحة ووضوح لأن الأمر جد خطير.. وينبئ بشر مستطير..
نعم لنكن صرحاء في تشخيص هذا الداء ، فسلامة التشخيص للداء تساعد كثيرا على وصف الدواء.. فنشأة هذه النابتة وتكوينها يؤكد أنها تمثل خليطا من أفكار قديمة للخوارج ، وأفكار تنظيمات سرية سياسية حزبية دعوية عصرية بالإضافة إلى الفكر المادي .. فتكون من هذا المزيج حركة ناشطة لديها القدرة على التلون والتحول والامتداد والذوبان ، فبلغت شبهها وأراجيفها أسماع خلق كثير فكان فيها التناقض والشذوذ والاضطراب ، غير أنها تتفق على معاداة ولاة الأمر والعلماء الكبار .
إننا في زمن انتشر فيه منهج الخوارج وفكر التكفير وضربا أطنابهما في عقول شباب الأمة ، وما وقوع مثل هذه التفجيرات وإراقة الدماء إلا أكبر شاهد على انتشار هذا الفكر التكفيري الذي صادف هوى كبيرا في نفوس المندفعين والمهووسين ممن يسمون بشباب الصحوة ، فهذا العمل الإجرامي لا يعدو ان يكون تسلسلا حتميا للتنفير والتكفير.. نفروا من ولاة الأمر ليسقط الولاء وتسقط الهيبة والبيعة ، ثم نفروا من العلماء فالتفت إليهم شباب صحوتهم :
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت ان تنقري
فلما خلت ساحتهم من سمع وطاعة للأمراء وعدم الانصياع لأقوال العلماء أخذ يفتي بعضهم بعضا ، ثم وقعوا في التكفير فكفروا الولاة والعلماء ومن سار في ركبهم ، ولاشك ان المكفِّر لابد وان يقاتل فكيف السبيل ؟ عندها أوحى لهم شياطين الإنس والجن بالتفجير . كانوا بالأمس يزرعون متفجراتهم ويختفون وهذا الخفاء جعل الجهات بعد القبض عليهم تسألهم من أنتم ؟ ومن وراءكم ؟ فيكون بذلك الدلالة على أيدي الشياطين التي تدفعهم . ثم جاء هذا الزمان الذي غرروا فيه بهؤلاء الأغمار ودفعوهم لقتل أنفسهم ابتداء حتى لا يعرف من هم ولا من وراءهم . ولكن هيهات فلن يخفى الأمر - بإذن الله - على ولاة أمرنا ورجال أمننا ، وقد قيل هذه العصى من تلك العصية ، ولا تلد الحية إلا حية . فهذا نتاج دعاة التكفير وكتبهم وأشرطتهم التي ملأت الساحة منذ ما يزيد على العقدين .
كانوا بالأمس يزعمون قتل الكفار والسعي لإخراجهم من جزيرة العرب ، ثم مالبثوا أن قتلوا المسلمين الموحدين ، فكشفوا الأقنعة عن وجوههم القبيحة وكانت صفعة قوية ومؤلمة للمعتذرين لهم من أصحاب العقول المريضة .
فحري بمن أراد ان يناقش هذا الأمر بوضوح أن يسأل نفسه ويتساءل : من الذي صرف أولئك الشباب من بلد التوحيد عن طلب العلم والتأصيل الشرعي لمثل هذه المسائل التي ضلوا فيها ؟!! لِمَ لَمْ يأخذ هؤلاء الشباب بأقوال العلماء في مثل هذه الفتن التي ماجت موج البحر فجرفتهم إلى فتنة التكفير والتفجير ؟!! أين هم من فتاوى العلماء وكلماتهم ومؤلفاتهم التي حذروا من خلالها من الإرهاب الفكري الذي كان الإرهاب الحسي نتاجا طبيعياً له ؟!
لماذا لم يربط أولئك الشباب بالكتاب وسنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي ما ترك خيرا إلا ودل الأمة عليه ، وما ترك شرا إلا وحذر الأمة منه ؟! ما أكثر ما بيّن العلماء أن الإسلام بريء من مثل هذه الأحكام التكفيرية الجائرة التي اتخذها خوارج هذا الزمان مطية لهم ؛ لإراقة الدماء وسلب الأمن والإفساد في الأرض .. غير أننا لم نر لخوارج هذا الزمان رجوعا إلى تلك النصوص ، بل إن الذين مارسوا التكفير واتخذوه مطية وذريعة للوصول إلى مآربهم هم أجهل الناس في حكمه وأسبابه وشروطه وموانعه ، ولكنها الضلالة العمياء والجهالة الجهلاء . فالتكفير حكم شرعي مرده إلى الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام ، ولا يكفر إلا من دلّ الكتابُ والسُّنَّة على كفره ، وهو أمر جد خطير حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال : (أيما امرئ قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال ، وإلا رجعت إليه) .
إننا لو فكرنا وتأملنا في الخطوات التي اتخذها الخوارج الأُول لوجدنا أن العداء ابتدأ بولاة الأمر الذين هم العلماء في ذلك الزمان ، كالخليفة عثمان - رضي الله عنه - فبدؤوا به وأسقطوا الأمر من ولاة الأمر الذين اجتمعت فيهم المسألتان في ذلك الزمان ولم يكن ذلك الإسقاط إلا بعد مقدمات من الإرجاف والتنفير بمسائل دنيوية واجتهادات أحادية بعيدة عن الصواب ، فأنكروا ما رأوا أنه منكر بمنكر أشد منه ، ثم تلا ذلك أن اتفق كبراؤهم فتحالفوا على قتل أئمة الإسلام في ذلك الزمان فمنهم من تولى قتل علي ، والآخر قال : عليَّ معاوية ، والثالث أراد قتل عمرو بن العاص - رضي الله عنه - الذي أناب رجلا اسمه خارجة ليصلي بالناس نيابة عنه لمرضه فكان هو القتيل فقال : (أردتُ عمرا وأراد الله خارجة) ، فكان لهم ما أرادوا من قتل علي ، ولم يروا أنهم بفعلهم هذا يهدمون الإسلام بل كانوا يتقربون إلى الله بفعلهم هذا ، ألم يمتدح عمران بن حطان قاتل علي رضي الله عنه بقوله :
يا ضربة من تقي ما أراد بها
إلا ليبلغ عند ذي العرش سلطانا
وآخر قتله أحد الصحابة وقال له : أبشر بالنار يا عدو الله فأجابه الخارجي : ستعلم أيُّنا أولى بها صليا ؟ فلم يكن حرصهم على الموت ليشفع لهم ولا ليمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بقتلهم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر منهم مع ما لهم من عبادة ظاهرة ذكر آثارها وصفاتها ، كقوله صلى الله عليه وسلم : (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وقراءتكم إلى قراءتهم لو وجدتهم قتلتهم قتل عاد) . وذكر ابن عباس - رضي الله عنهما - أن لهم بالقرآن دوياً كدوي النحل جباههم كركب المعزى من أثر الصلاة ... الخ ، فهذه آثار عبادات وأفعال وليس صفات وأشكال ومع ذلك قتلهم الصحابة - رضي الله عنهم - الذين عرفوا باستجابتهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كلاب النار ، وما أكثر كلاب النار اليوم وما أكثر المنافحين عنهم ... يأتي متبجح متفيهق متعالم فيقول عن الخوارج : (لم يسجنهم رسول الله ولم يفتح لهم محاضر تحقيق ، وإنما تركهم أحرارا طلقاء ... الخ ، ولهذا وغيره من المنافحين عن خوارج هذا الزمان نقول : أيهما أشد ان يسجنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن يقتلهم قتل عاد ويحذر منهم على رؤوس الأشهاد ؟ إنه لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتلهم إلا مخافة ان يقال محمد يقتل أصحابه ، فهل نسكت عن المنافقين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقاتلهم ؟!! ولكنهم في الدرك الأسفل من النار .
إنه بعد بروز هذه النتائج العملية السيئة لفكر التكفير ، كنا ننتظر مناقشات هادفة وواضحة وصريحة لهذا الفكر الضال ومصادره ومنابعه وكيفية وصوله إلى بلد التوحيد.. كنا ودراسة الأسباب التي ساعدت على انتشاره وطرح الحلول للقضاء عليه ، كنا ننتظر هذه المناقشات من الجميع وخاصة من قبل بعض الدعاة الذين زعموا فقه الواقع وأنهم يعرفون واقع الأمة وحال شبابها وما يحاك ضدهم من مؤامرات ، غير أننا وللأسف الشديد فوجئنا بما يتنافى تماما مع ما طالبنا به من الصراحة والوضوح في مناقشة انتشار هذا الفكر ، فقد سمعنا بعض الطروحات العائمة التي لم يملك أصحابها الشجاعة الكاملة لتشخيص واقع هذا الفكر ومصدّريه إلى بلد التوحيد ، سمعنا بعض البيانات العائمة والمتكلفة التي أصدرها بعض المتلونين ممن صدّروا أنفسهم لتوجيه الأمة ، وزعموا من خلالها أنهم يناقشون هذا الفكر ويبينون حكمه ، ولكنهم في حقيقة الأمر شكلوا حائلا قويا بين الناصحين وبين كشف هذا الفكر وحقيقته ودعاته الذين دعوا إليه ونافحوا عنه .
ما أن غيّر المتلونون جلودهم حتى أخذوا يصدرون بياناتهم وينشرون كتابتهم التي تدس السم في العسل ، والتي ملئت بالمطالبة بالتثبت والتروي وعدم الاستعجال واتهام الدعاة وشباب الصحوة (على حد تعبيرهم) وأهل الخير و.. و .. إلى غير ذلك من العبارات التي رأينا من خلالها أناسا يطالبوننا بالتثبت وهم أبعد الناس عنه ، فتاريخهم يؤكد أنهم ما تركوا مناسبة إلا وطعنوا فيها بولاة أمرنا وعلمائنا دون تثبت أو خوف من الله - عز وجل - وذلك باسم الغيرة على الأمة وفقه الواقع وقول كلمة الحق . وهذا ما يؤكد ان هذه المطالبة بالتثبت وفي مثل هذا الوقت بالذات لا تعدو أن تكون محاولة بائسة من أصحاب تلك البيانات لتصوير دوافع تلك التفجيرات ومصادرها بأنها مبهمة غير معروفة وأن القائمين بها مجهولو الهوية .. أهدافهم غير واضحة .. وانتماءاتهم غير معلومة إلى غير ذلك من التقريرات الفاسدة ، يؤكد هذا أن هؤلاء المتلونين المطالبين بالتثبت هم أبعد الناس عن التثبت حتى في حديثهم عن هذه الأحداث ، فالمسؤولون عن الأمن حرصوا ومنذ حدوث هذه الأعمال الإجرامية على ان يجعلوا المواطن أمام الصورة الحقيقية لمثل هذه الأحداث ؛ لإيمانهم التام بان المواطن جزء من أمن هذا الوطن .. وذكر سمو وزير الداخلية - حفظه الله - أنه تم التعرف على ستة أشخاص من الذين قاموا بالعمليات الانتحارية ، وتبين أن أربعة منهم من التسعة عشر الذين نشرت أسماؤهم وبينت اتجاهاتهم وصلتهم برأس الخوارج وقاعدتهم في هذا الزمان ، ثم يأتي ذلك (المربي) أحد أدعياء الدعوة المتلونين ليؤكد في مقالة له أنه ليست هناك أدلة قاطعة على الفاعل . ومتلون آخر يقول في قناة عربية : (لا أملك معلومات ولم أسمع أي جهة رسمية اتهمت تنظيما معينا لا في المغرب ولا في الرياض) ... الخ ، فأين التثبت أيها المتلونون ؟! ولماذا لم تنادوا بالتثبت إلا عندما وجه الاتهام لهذه الشرذمة المجرمة الآثمة ، التي تبنت فكر التكفير وعقيدة التكفير التي استباحوا من خلالها الدماء والاموال ؟
أين أنتم من التثبت عندما كان بعضكم يطعن بكبار علمائنا من غير تثبت ؟
ألم يقل أحد هؤلاء المتلونين أن كثيرا من الجهات الشرعية في العالم الإسلامي قد تكون مسؤولة عن الفتيا لم يبق لها إلا أن تعلن عن دخول شهر رمضان وخروجه ؟ لماذا لم نر نكيرا على مثل هذا المتكلم كما نرى الآن ؟
ما الذي منعكم من اتهام ذلك المتلون بالإرجاف والصيد في الماء العكر ، وغير ذلك من التهم الانتقائية الوقائية التي برزت على السطح في هذا الوقت ، والتي تهدف إلى إضفاء شيء من الحصانة على بعض المناشط الدعوية والقائمين عليها ، بالإضافة إلى أنها دعوة صريحة لإساءة الظن بكل من يناقش ويكشف ضلال هذا الفكر الدخيل .
طالب المتلونون بفتح باب الحوار العلمي والهادئ على حد زعمهم ، وكان مما جاء في بعض بياناتهم (ندعو الحكومات إلى فتح باب الحوار العلمي الهادئ المعزول عن المخاوف الأمنية ، الذي بموجبه يمكن طرح الموضوعات ومعالجتها بالروح الشرعية الأخوية ، وليس كل من يطرح تساؤلا أو يثير إشكالا مغرضا أو اصحاب هوى ، وندعو إلى عدم أخذ الناس بمجرد الرأي المحض فإن الضغط قد يزيد النار اشتعالا..) .
ولم نكن لنمنع أو نحارب هذا الحوار مع أصحاب هذه الأفكار الضالة ممن لم يحملوا علينا السلاح ، فإقامة الحجة عليهم أمر مطلوب كما فعل ابن عباس مع أسلافهم ولكننا نسألكم : أي حوار تريدون ؟ أتريدون حوارا مع من قتل أبناءنا وسفك دماءنا ودمر منشآتنا ؟؟! عجبا لكم أتريدون (حوارا هادئاً) على طريقتكم الخاصة ؟! أتريدون حوارا يقوم على تمييع دين الله والرفع من شأن أهل البدعة والتكفير والتفجير وإفساح المجال لهم لنشر أفكارهم ؟! أم ماذا تريدون ؟ وما طرحنا مثل هذه التساؤلات إلا لأن القوم أبعد الناس عن الحوار .. أين حوارهم هذا عندما رد عليهم علماء السُّنَّة وبينوا عوار مناهجهم وكشفوا عن سوءاتهم ؟!! لن ننسى ما قرره أحد هؤلاء الملتونين المطالبين بالحوار بعد قوله المحدث في بعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فرق فيه بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ، وزعم كاذبا أن الشيخ عبد العزيز بن باز يؤيده على ذلك التفريق فكذبه الشيخ عبد العزيز - رحمه الله - ، ثم لما رد عليه علم من أعلام السُّنَّة في هذا العصر نكص على عقبيه ولم يحاور ؛ زعما منه أن في رده على مخالفيه وحواره معهم إشهار لهم ورفعة لمنزلتهم .. كل هذا يجعلنا نقول لهؤلاء : لم لم نر هذه الدعوة للحوار إلا في هذا الزمان الذي ضيق فيه الخناق على شيوخ الخوارج ورؤوس الفتن والضلال ؟!
أين حواركم عندما حررت ردود أهل السُّنَّة عليكم تلك الردود التي فضحت مناهجكم وبينت انتماءاتكم ؟! لم لم يُر من محاوريكم في تلك الأيام إلا السباب والشتائم وفحش الكلام ؟! فتارة مرجفون في المدينة .. وتارة مداهنون .. وتارة جاميون .. وإن كان المحاور حليقا ألحقتموه بالعلمانيين ، أما إن كان ملتحيا فهو عندكم من المنافقين وعملاء للسلاطين .. وتارة .. وتارة .. الخ ، وكانت النتيجة أن أفسدتم عقول الشباب وربيتموهم على تعظيم وتشجيع أرباب الثورات والانقلابات ، ثم بعد ذلك تنادون الآن بفتح باب الحوار معهم .. عجبا لكم !! تفسدون عقول الشباب وتسممون أفكارهم ثم تقولون لنا بعد ذلك حاوروهم .. إن هذا لأمر عجيب .
قال الشيخ العلامة صالح الفوزان - حفظه الله - في محاضرة أخيرة له أن من قام بالتفجير والقتل فإنه لا يحاور ، وإنما يقتص منه ويقام عليه الحد الشرعي . أما من تأثر بهذا الفكر فإنه يحاور ويبين له الحق . ولكن أين هم حتى نحاورهم ؟
وصدق الشيخ - حفظه الله - أين أصحاب هذا الفكر الذين يعلنون تأثرهم به حتى تطالبونا بالحوار معهم ؟
أما ما نادى به المتلونون من وجوب الرجوع للعلماء الكبار في مثل هذه المسائل الشائكة ، فكان حريا بهم أن يبدؤوا بأنفسهم بدلا من ان يأمروا بالمعروف ولا يأتوه ، يقول الحق تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } ، فلو عمل هؤلاء المتلونون بما أمروا به ، لما بادر البعض منهم إلى اختلاق الأعذار لهؤلاء الخوارج وتبرير أفعالهم ووصفهم بالأشياخ والمجاهدين وغير ذلك ؛ مما ينبئ عما في الصدور خاصة وأنه بعد وقوع هذه الأحداث الآثمة كان هناك تصريحات رسمية صريحة وواضحة تكشف ملابسات مثل هذه الأحداث وتميط اللثام عن نوايا تلك الطغمة الظالمة قبل هذا الجرم المشين ، ثم أصدر علماؤنا - حفظهم الله - بيانا شرعيا بينوا من خلاله حرمة هذا العمل الإجرامي وضلال القائمين به والحكم عليهم . وبذلك أصبح عامة الناس على علم بمجريات الأحداث على المستوى الرسمي ، بالإضافة إلى معرفة الحكم الشرعي لمثل هذه الأعمال ، وبناء عليه فلم نكن بحاجة إلى هذه البيانات التي تدس السم في العسل وتقلب الحقائق ، ثم بأي صفة يصدر هؤلاء بياناتهم وينشرونها كما لو كانوا جهات رسمية في الدولة ؟!! وصدق الشاعر :
يقولون هذا عندنا غير جائز
ومن أنتم حتى يكون لكم عند
كيف يطالب هؤلاء بالرجوع للعلماء وهم الذين عارضوا فتاوى كبار علمائنا وقالوا ما قالوا إبان أزمة الخليج ، وفعلوا ما فعلوا وجعلوا من أنفسهم منظرين لفتاوى العلماء الكبار يصوبون ويخطئون في ذلك الوقت ، غير آبهين بما تتعرض له دولة التوحيد في تلك الأزمة ، بل إنهم سعوا لإسقاط هؤلاء العلماء بوصفهم احيانا بجهل الواقع وأحياناً بالمداهنة والمجاملة في دين الله .
كيف يطالبون بالرجوع للعلماء ثم يدعون لمقاطعة الأمريكان ، وينشرون الملصقات التي تدعو لعدم البيع والشراء مع الأمريكان ، ويكادون يلزمون الأمة بها بل ويقررون شرعيتها ، غير آبهين بفتاوى علمائنا المستمدة من كتاب ربنا وسنة نبينا التي تخالف أهواء هؤلاء القوم ، وتؤكد ان التعاملات الدنيوية البحتة كالتجارة والإجارة لا دخل لها في الولاء والبراء .. كم صرف هؤلاء المتلونون الشباب عن العلماء وأشغلوا الناس بالتحذير من الغزو الفكري والحديث عن المنصرين والعلمانيين وغيرهم ؟ ، وكانت الأيام كفيلة بكشف حقيقة هذه الأمر وأنه لا يعدو أن يكون ستارا واقيا لانتشار منهجهم الاخواني الفاسد ذلك المنهج القطبي الذي يقوم على التكفير والدعوة للتفجير ، فهم لا يريدون إلا انتشار منهجهم وكثرة جموعهم .
ولا غرابة في هذا فصاحب (الأمة الغائبة) يقول : (كل قضية نريد لها أن تنجح علينا أن نحشد لها جماهير الأمة بقلوبهم وعقولهم ومشاركتهم) هذه مقولاتهم وهذه دعوتهم فأين توبتهم ؟! وأين رجوعهم ؟!
إن عقولنا - بفضل من الله - تمنعنا أن نصدق هؤلاء ونحسن الظن بهم عندما يطالبوننا بالرجوع للعلماء ؛ لأنهم يطعنون بعلمائنا ويشككون بدينهم وأمانتهم دون حياء أو خجل ، لا لشيء إلا لأنهم لا يفقهون الواقع . فلن ننسى طعنات فقيه الواقع الذي زعم أن مصير الأمة متوقف على هذا الفقه ، ولن ننسى وصفه علماءنا بأنهم عالة على غيرهم ، لا لشيء إلا لأنهم يجهلون الواقع والسياسة على حد زعمه... الخ ، وإن من العجائب أن ذلك الأفّاق عندما تحدث عن فقه الواقع وذكر مراجعه ومصادره عنده ، كان أئمته فيه مراجعه كتب أرباب الفكر المنحرف ورؤوس الضلالة في هذا الزمن المتأخر ، بدءا من (واقعنا المعاصر لمحمد قطب وكتب محمد العبدة الذي مازلنا نعاني من بذرته النتنة في إحدى معاهدنا العلمية ، وكذلك كتاب (وجاء دور المجوس) لعبد الله الغريب ، الذي هو في الحقيقة قبيح العابدين محمد سرور القابع في لندن صاحب مجلة السُّنَّة (البدعة) التي تقوم بنشر فكر التكفير وتأصيل منهج الخوارج .
ما أكثر ما تشدق المتلونون بأنهم يفقهون واقع الأمة ، وأنهم يعلمون بما يحاك ضدها من مؤامرات ، ومع ذلك لم نر لهم جهودا في تصحيح العقيدة لأنهم زعموا أنهم يشرحونها في عشر دقائق ... ولا للسنة نشروا لأنهم يرون ذلك إغراقاً في الجزئيات .. ولا من التكفير حذروا لأنه منهجهم ... والأدهى من ذلك أن يغضب بعضهم ويرعد ويزبد وتثور ثائرته لتكفير خوارج هذا الزمان ، الذين كفّرهم بعض علماء الإسلام ، بينما تكفير سيدهم (سيد قطب) ومنظريهم للمجتمعات الإسلامية بأكملها لا يحرك فيهم شعرة واحدة . أي ورع هذا ؟
لقد قيل : إن لكل قوم وارث ، فالخوارج تورعوا عن قتل بعوضة وقتلوا عليا رضي الله عنه !.
ولم تكن تلك آخر طعنات فقيه الضفادع بعلمائنا ، فقد طعن بهيئة كبار العلماء قبل أشهر ووصفها بعدم الاستقلال وليست بأول طعنة غدر منه ، ما دام أنه قد جهلهم قبل خمسة عشر عاما (بالفقه الواقع) ونقول لفقيه الواقع الذي يطالب بهيئة مستقلة يا سبحان الله !! وأنتم متى استقللتم يا ترى ؟! إن من تتبع تاريخكم وطروحاتكم وجد أنكم أتباع أتباع الأتباع وسيدكم الأخير في أرض الكنانة مدفون . هذه هي الحقيقة شئتم أم أبيتم ثم تأتون بعد ذلك تطالبون بهيئة مستقلة ؟ نعم إنهم يريدون هيئة علمية عالمية كما صرح أحدهم (وكأن وجهتهم إلى شرق آسيا) من خلالها يريدون أن يوجهوا مسلمي العالم بالإسلام الذي لا تحكمه السياسة زعموا فأي دين دون دولة ؟!! وهل هم إلا سياسيون يريدون الحكم ؟!! يريدون الحكم من خلال هيئتهم التي تفتي لهم بما يريدون وما يرغبون . إنه ثمة فرق كبير بين من يريد الحكم بالإسلام الصحيح الخالي من الشرك والبدع وفكر الخوارج ، وبين من يريد ان يحكم بالإسلام الذي يريده هو والذي يجمع ما بين خرافة وبدعة وكل ضلالة سوى السلفية الحقة ، التي أحرقت أحشاءهم والتي قامت عليها دولة التوحيد المباركة التي تدعو إلى وسطية الكتاب والسُّنَّة لا وسطية التمييع ، التي لم نسمع من مؤسسيها إلا التنقص لدعوة المجدد - رحمه الله - .
وأسوأ من فقيه الضفادع في الطعن في العلماء ذلك (النحرير) الذي أعلن التوبة النصوح من دعوته الشباب سابقا للالتفاف حول العلماء ثم قال: بالأمس نقول للشباب التفوا حول العلماء واليوم نقول للعلماء التفوا حول الشباب.. ويزعم ان البطالة هي سبب انتشار هذا الفكر... الخ كلامه.. لقد هزلت ، إن العلم يؤتى إليه ويعنى إليه ولكن عند من يعرف قيمة العلم وأهله.. فمن لا يعرف قيمة العلم وآثاره الحميدة في اجتماع الكلمة لا يعرف لأهل العلم مكانة ولا فضلا فاللهم سلم من العواقب... وما هذه الطعونات الظالمة من منظري صحوتهم إلا أكبر شاهد على أن القوم يعانون من مراهقة فكرية متأخرة بعد ان شابت لحى بعضهم في الضلالة . والله نسأل أن يكفينا شرهم وأن يرد كيدهم في نحورهم .
ومما يؤكد جبن القوم وإعراضهم عن الحديث عن أسباب نشوء هذا الفكر ، أنهم أخذوا يتحدثون عن مواضيع جانبية حاولوا أن يجعلوها سببا لانتشار هذا الفكر ، فأخذوا يدندنون حول البطالة وما أدراك ما البطالة ؟ لقد تحدثوا عنها كثيرا بعد هذه الأحداث وعدوها سببا رئيسا لاتجاه هؤلاء الشباب للإرهاب . يقولون هذا وهم اكثر الناس قناعة بعدم واقعية هذا السبب وتجرده من أي دليل . والأغرب من هذا أنه عندما كان المتلونون يتحدثون عن إرهاب في الجزائر في ذلك الوقت ، فقد كانوا يعارضون معارضة شديدة وصف ثورتهم تلك بأنها ثورة الخبز ؛ ولذلك لما قال أحدهم ما يراه (كلمة حق في المسألة الجزائرية) ندد بما سماه تجاهلا للدافع الإسلامي القوي لتلك الثورة .. فيالله العجب أي تناقض هذا وأي دافع إسلامي يقتل الأنفس التي حرم الله ؟.. والأغرب من هذا أن يتحدث عن البطالة من كان يشجع عليها ويدعو إليها بأعلى صوته وينادي بالتحرر من رق القرن العشرين (الوظيفة) ، ويقول : (دلوني على سوق المدينة) !! وحق لنا هنا أن نسأل : أتغافل هذا أم ادعاء سذاجة ؟!!
إن القضية قضية فكر خطير لا يفرق بين شخص وآخر ، ومن نظر إلى رؤوس الخوارج والضلالة في هذا الزمان وجد ان منهم أصحاب أموال ودرجات علمية عالية فأين هي البطالة؟ وكم من المبالغ المالية ضبطت وكانت مع هؤلاء الخوارج ؟!!!! كم من الأسلحة والمتفجرات استخدمها وحصل عليها هؤلاء الخوارج ؟!!! كم وكم وكم ؟!!!
كل هذا يجعلنا نطالب مطالبة ملحة وبأعلى صوت بتتبع جميع المناشط الخيرية صغيرها وكبيرها سخط من سخط ورضي من رضي ، فثقتنا في أهداف هذه المناشط والجهات الخيرية لا يمنعنا من المطالبة بحمايتها وإجراء شيء من التجديد عليها ، خاصة إذا علمنا ان أموال المحسنين قد تصرف في توجهات المؤسسين . وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير نايف في تصريح أخير له : (فالأموال التي ترسل إلى المحتاجين في البلاد الإسلامية أو بعض المنشآت الإسلامية ، قد تحولت أو تحول بعضها مع الأسف لعناصر من هؤلاء ، وهذا لابد ان يكون في هذه الأماكن أناس يؤمنون بهذا الفكر أكثر من إيمانهم بعمل الخير...الخ) ، فتلافي السلبيات في هذه الجهات أمر مطلوب خاصة وان بعض تلك الهيئات أصبحت حكرا على أناس معينين ، على الرغم مما نراه في هذا البلد من الحرص على التجديد والتغيير ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا التجديد يطال كبار المسؤولين في الدولة كالوزراء وغيرهم من المسؤولين الذين تركوا مناصبهم ، وأفسحوا المجال لغيرهم وهم في قمة عطائهم وتميزهم ، وليس في ذلك أي مذمة لهم بل على العكس من ذلك .
نقول هذا لأن القضية قضية فكر خطير نشر وانتشر . كثيرون هم الذين تسنموا الدعوة والأعمال الخيرية من المتلونين ، ومع ذلك لم نعرفهم إلا بتقديس أئمة الخوارج وأهل البدع والضلال الذين ملئت كتبهم بتكفير المجتمعات والدعوة إلى الثورات ، وبهذا غيروا مشارب شباب بلد التوحيد ، فبدلا من أن ينهل هؤلاء الشباب من كتب أهل السُّنَّة وسلفنا الصالح ويأخذوا من علمائنا الراسخين في العلم ، أصبحت قلوبهم معلقة بكتب أهل البدع ورؤوس التكفير والضلالة التي دعوا إليها ونافحوا عنها ، من خلال مطالبتهم بالموازنة بين السيئات والحسنات في النقد , تلك الموازنة التي يوجبونها على من حذر من أئمتهم ومؤسسي مناهجهم الضالة ، ثم يتنكرون لها عندما يطعنون في أهل السُّنَّة والعقيدة السلفية التي تكشف زيف مناهجهم التكفيرية .
ولقد عشنا سنين وسنين وضلال سيد قطب ومعالم طريقه (المليئان بالدعوة لتكفير المسلمين) يتصدران الجوائز الطلابية في المدارس والمناشط الدعوية ، ثم لما ظهرت الثمار وأينعت خرج علينا أحدهم متعجبا من ذكر سيد قطب ومنهجه التكفيري ومعترضا على مناقشة من جلبه إلينا .
لقد جبن القوم عن مناقشة فكر التكفير وكيفية ومراحل وصوله وانتشاره في بلد التوحيد ؛ لأنهم لو فعلوا هذا لكشفوا عن سوءاتهم وفضحوا أنفسهم ، فما علق قلوب الشباب برؤوس فكر التكفير كسيد قطب وغيره إلا هم ، وما نافح عنهم وعن دعوتهم إلا هم لأنهم شيوخهم الكبار .
أما ثورة الجزائر وما أدراك ما ثورة الجزائر ، فإنه ما أن قامت تلك الثورة وبدأ القتل والتفجير والنهب والتدمير حتى ناصرهم المتلونون وقاموا بتأييدهم ، وجروا أهل الجزائر إلى برك الدماء والموت ، وشدوا من أزر خوارج تلك البلاد .. وملئت أشرطة القوم بتزكية تلك الجماعات وقادتها الذين سلبوا أمن تلك الأوطان .. قال صاحب (كلمة حق في المسألة الجزائرية) ، مزكيا رؤوس الفتنة هناك : (وكان معظم القائمين على تلك الجمعية من المشهود لهم بالعلم والحكمة والعقل والعقيدة السلفية الواضحة السليمة) ، ثم زاد على ذلك أن زعم ان الشيخين ابن باز والألباني يؤيدانهم فكان تكذيب الشيخين - رحمهما الله - له بالمرصاد .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل تعداه إلى المفاخرة بقتلى خوارج الجزائر في ذلك الوقت ، حيث قال أحد المتلونين في أحد مهرجاناته : (أتدرون كم دفعت الجزائر كدولة وكأمة كم دفعت ثمنا للعدوان على رجال الإسلام عباس مدني وعلي بن حاج ، وعلى غيرهم من رموز الدعوة ورموز الإسلام ؟ فقط عشرة آلاف قتيل منهم الأجانب ... الخ ) ، ثم مارسوا تهويلا عظيما لتلك الأحداث عندما زعموا ان دبابات الحكومة الجزائرية تهدم المساجد وبيوت الله ، وشجعوا المظاهرات النسائية وغيرها وفاخروا بخروج مئات الآلاف من النساء المتظاهرات إلى غير ذلك من مهاتراتهم .
هذه تأييدات القوم ومناصرتهم لرموز الدعوة والإسلام عندهم الذين قاموا بالقتل وسفك الدماء في بلاد الجزائر فما الذي غير قولهم الآن ؟!! هل لدماء المسلمين في الجزائر أحكاما خاصة تخالف حكمها في بلادنا ؟!! أهناك فرق بين دماء المسلمين في الجزائر وغيرها ؟!! ما الذي جعلهم يباركون ذلك الإفساد على يد علي بالحاج وعباس مدني في الجزائر ثم يعارضونه في هذه البلاد ؟! ألهذه الدرجة ترخص دماء المسلمين عندهم ويجعلونهم حقول تجارب لدعواتهم ؟! نعم لقد جعلوها حقول تجار لدعوتهم حيث قال أحدهم : (أنا في الحقيقة في تقويمي العام أعتبر ان ما حدث في الجزائر أو غيرها هو تقدم بالنسبة للعالم الإسلامي لو لم يكن فيه إلا التجربة) ، فالذي يظهر لأنهم من هذه التجارب يستفيدون والنتيجة أنهم لطريقتهم يغيرون ولكن بعد ماذا ؟ بعد أن ربوا الشباب من خلال أشرطتهم عن أحداث الجزائر على الحماس المنفلت والترحيب بكل ثائر يزعم نصرة الإسلام ، ثم زادوا على ذلك بكثير من مقولات التهييج .. فتلك محاضرة (لأهيل الحرم) وتلك كلمة في (المزرعة) وأخرى (جلسة تكفير على الرصيف) ، ثم لما عجزوا عن ترويض الاتباع واقتضت مصلحة دعوتهم ان يتخلوا عن اتباعهم بعد ذلك ، فعلوا دون تردد فتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ، وأصبح حالهم يذكرنا بقول الله عز وجل : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } .
فماذا كانت نتيجة دعوتهم وأشرطة تربيتهم لجيل الصحوة ؟ لقد رأينا وللأسف الشديد من أئمة المساجد وخطباء الجوامع من يبخل بالدعاء لمن ضحى بنفسه لقتال خوارج هذا الزمان من رجال أمننا - رحمهم الله - في حين أنهم يدعون للمسلمين في كل مكان . رأينا الكثير من الخطباء يتحدثون عن قتلى المسلمين شرقا وغرباً وشمالا ، أما قتلانا فلا حديث عنهم ولا ذكر لهم ، رغم أنهم يقومون بحماية هذا الوطن الذي يتفيأون ظلاله ويتمتعون بخيراته .
قُتل أحمد ياسين وقصفت الفلوجة فسمعنا الخطب الرنانة وقرأنا القصائد والمقالات ، ولم نر مثلها في إنكار أو استنكار قتل الخوارج لأبنائنا وسعيهم لزعزعة أمننا وإفساد وطننا ، فلم اختل الميزان ورخصت عندهم الأوطان ؟ أليس هذا نتاج ما زرعه المتلونون من أن حب الوطن داخل في عبادة الاوثان !!!
ولهؤلاء الملتونين نقول : والله لقد سبرنا أغواركم وأدركنا مكركم ، وعرفنا اتجاهاتكم من مقولاتكم من خلال أشرطتكم وكتاباتكم التي أغرقتم بها الساحة منذ ما يقارب العقدين من الزمان ، التي كانت تنضح بفكر التكفير وتؤكد انتماء كثير منكم وتبنيهم لدعوة الإخوان المسلمين ، ومنافحتكم عنها وعن رؤوس الضلالة فيها ، تلك الدعوة التي بين سمو وزير الداخلية - حفظه الله - ما جلبته لبلد التوحيد من شر وبلاء .
لقد قلنا : (فرق بين من غيّر أصوله وبين من غير طريقة وصوله إلى أهدافه المشبوهة) ، فإن كان منطقكم الجديد وأفكاركم وطروحاتكم على الساحة تمثل توبة صادقة ورجوعا إلى الحق ، فأعلنوا ذلك واجهروا به لأن الرجوع إلى الحق وتصحيح المسار لا يكون في غرف مظلمة أو اجتماعات سرية ، وإنما بإعلان الرجوع عما كنتم عليه ، مع بيان خطورة ما احتوت عليه أشرطتكم السابقة ونتاجكم السابق من توجهات وتوجيهات حزبية منحرفة ومخالفة لمنهج السلف ، فهذا من الأدلة الواضحة على صدق التوبة .. يقول الحق تبارك وتعالى : { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ، فإن كان هناك من توبة فأين البيان ؟!! ولاسيما أن تلك الأشرطة والكتابات مازالت تعبث بأفكار بعض الشباب حتى يومنا هذا ، رحم الله أبا الحسن الأشعري الذي صعد المنبر بعد تركه لعقيدة الأشاعرة ، وأعلن خروجه منها وقال : إني خارج مما كنت أقول به ، كما أخرج من بردتي هذه ثم نزع بردته . وبعد ذلك رد على الأشاعرة وبيّن بطلان عقيدتهم الفاسدة . ولم يمنع أهل العلم من الرد على عقيدة أبي الحسن أنه تاب منها ورجع عنها ، لأن العقائد الفاسدة تنتشر في الناس فلابد من تصحيحها والرد عليها.
إن المتتبع لدعوة الإخوان المسلمين في العالم الإسلامي (التي هي دعوتهم)
، يجد أنهم إذا وجدوا في أنفسهم القوة والمنعة ، سلكوا طريقة سيد قطب التي تقوم على تكفير المسلمين وقتلهم وسفك دمائهم .. وإذا اعترى دعوتهم شيء من الضعف نادى مناديهم (السكينة السكينة) ، ثم سلكوا طريقة حسن البنا التي تقوم على التربية واستخدام تقية الرافضة ، وإظهار الرجوع إلى العلماء ومد الجسور مع الحكام وإظهار الطاعة للولاة ، إلى غير ذلك مما يسمونه بالسياج الأمني الذي يحيطون به صحوتهم ؛ حتى تتوفر لهم القوة الكافية التي تمكنهم من تحقيق أهداف دعوتهم الضالة .
وهنا يظهر مدى استفادتهم من تجارب إخوانهم أصحاب ثورة الجزائر وغيرها وهذه طريقة الخوارج القعدية . وبناء عليه فلن تجد للقوم تحذيرا من منهج الخوارج وعقيدتهم وكتبهم المعاصرة إلا بكلام مجمل عائم لا تشخيص فيه .
نعم إن القوم يحرصون على النتائج ويريدون بطأً ولكنه أكيد المفعول , يقول محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر ص 486 : (أما الذين يسألوننا إلى متى نظل نربي دون أن نعمل فلا نستطيع ان نعطيهم موعدا محددا فنقول لهم : عشر سنوات من الآن أو عشرين سنة من الآن ، فهذا رجم بالغيب لا يعتمد على دليل واضح وإنما نستطيع ان نقول لهم : نظل نربي حتى تتكون القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول) .
هذا الذي يعمل به القوم وينصحهم به أتباعهم من خلال رسائلهم التي تأتي (من هنا وهناك).. لن ننسى تلك الرسالة التي وصلت لأحد هؤلاء المتلونين فقرأها على الجموع وكان فيها قول كاتبها : (أرجو ان لا تغرك هذه الجموع مهما كثرت أشباحها وتواصلت اتصالاتها وتوالت رسائلها ولنا في حسن البنا وعباس مدني أقرب مثال وأوضحه . أيها الشيخ قبل ان تحرك قدمك أو تضعها تأكد من أنك تضعها على أرض متماسكة .. واعلم ان هذه القدم تحرك خلفها أقدام وكم يتملكني الخوف لماذا ؟ كلما تخيلت مصير هذه الصحوة عندما تكون الخطوات غير محسوبة . نريد بطأ ولكن أكيد المفعول.. الخ) .
ومازلنا نذكر تعليق قارئ هذه الرسالة في حديثه عن (حقيقة التطرف) ، على ما نقله عن أحد مراسلي الصحف الأمريكية في وصفه للترابي أحد الإخوان المسلمين في السودان بأنه منظر إسلامي فذ ، لكنه أصولي يعرف جيدا كيف يستغل الظروف ويستخدمها لصالحه ، وأنه قادر على التأقلم مع الواقع ويرضى بمهادنة الأنظمة بدون ان يتخلى عن مطالبه . ثم علق صاحب (حقيقة التطرف) على كلام المراسل بقوله : (لا أحد يستطيع ان يمدح الترابي ولا غيره بأفضل من مثل هذا الكلام) ، فالقوم يجيدون التأقلم مع الواقع ويستغلون الظروف ويستخدمونها لصالحهم ويفتخرون بذلك ، ولايجدون فيه حرجا البتة فالذي كان بالأمس يخالف العلماء في جواز الاستعانة بأهل الكتاب لرد المعتدي ، أصبح اليوم داعيا للتعايش معهم ومعلنا للتعاون مع برلماناتهم وكنائسهم بعد حتمية المواجهة .
ولا غرابة في ذلك ، فهم يفاخرون به ويدعون إليه ؛ لأنهم سياسيون يفقهون الواقع ، فممن دعا إلى هذا الأمر صراحة منظرهم الغاوي صاحب (الثوابت والمتغيرات) ، الذي هو فقه المرحلة عندهم ويستقون منه بروتوكولاتهم يقول صاحبهم في ثوابته ومتغيراته : ( ولا يبعد القول بأن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض الأعمال الجهادية ويظهر النكير عليها آخرون ، ولا يبعد تحقيق ذلك عمليا إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد أمكنه معه أن يتفق على الترخص في شيء من ذلك ؛ ترجيحا لمصلحة استمرار رسالة الإسلاميين في هذه المجالس بغير تشويش ولا إثارة ) . ولا غرابة في هذا أيضا ما دام القوم يريدون بطأ ولكنه أكيد المفعول .
ولكن ومهما عمل القوم فإن من فضل الله عز وجل أنهم ينبئون عما في أنفسهم من خلال كلماتهم وتصريحاتهم قال الشاعر :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وقد قيل : (إن ما يخرج من فيك يدل على ما فيك) . وجاء في الحكمة (ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه) ، فللقوم فلتات لسان تحتاج إلى بيان . فقائل يقول إن مثل هذه الأعمال والمتفجرات إنما هي بسبب التضييق على أشرطة صحوتهم ، وآخر يعارض انتقاد كتب سيد قطب ويقول ببلادة متناهية : (نحن قرأنا كتب سيد قطب وما فجرنا) ، أما صاحب المليار توقيع فيوقر رأس الخوارج في هذا الزمان ، ويجعل له سابقة فضل في الإسلام وهو عنده الشيخ الإمام .
يريدون ان لا تغرق السفينة ثم لا يكفون عن الحديث عن (العزم أولا والعزة ثانيا) ، يتحدثون عن طلائع فتح الفرج ويستميتون في نصرة من سجنوا وأهدرت دماؤهم .. بل ويؤكدون ان أشجار المبادئ والأفكار لا تنبت بلا مواقف .. الخ ، يقررون هذا ونحن في أشد المواجهة مع فلول الخوارج ، فلهذا المتحدث وغيره نقول : إن هذه الكلمات قطعا ليست موجهة لولاة أمرنا ولا لرجال أمننا لأنهم - ولله الحمد - في عز وقوة وتمكين - بفضل الله - وليسوا بحاجة لأن يقال لهم : (كيف تعشق القلوب جبانا يعيش لبطنه ؟ كيف تحب الأمة حقيرا ليس له في التضحية تاريخ ولا في البطولة قدم ولا في الإقدام منبر ؟ ) ، وليسوا بحاجة لأن يقال لهم : (أما أصحاب المبادئ السامية فقد عاشت مبادئهم وانتشرت رسالتهم وانتصرت كتائبهم ؛ لأنهم ثبتوا ثبات الجبال ورسخوا رسوخ الحق ، فما هو إلا وقت قصير حتى أشرقت وجوههم على طلائع فجر الفرج وفرحة الفتح وعصر النصرة والعزة ) ، { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } ، فلسنا في ظلام حتى ننتظر طلائع فجر الفجر الذي به يحلمون .. ولن يفرح بفجرهم هذا إلا خوارج هذا الزمان الذين طوردوا وشردوا وضيق عليهم ، فهم أحوج الناس إليه .. أما الجهات الأمنية عندنا ورجال أمننا فهم - ولله الحمد - بعزة ونصر قادرون على دحر هؤلاء الخوارج الذين لن يفرحوا - بإذن الله - بالنصرة ، ولن تشرق - بإذن الله - وجوههم على طلائع فجرهم الذي يزعمون وبه يحلمون .
وبمثل كلامهم هذا يريدون ان (تغرق السفينة) التي عملوا على خرقها منذ زمن فحسبنا الله ونعم الوكيل .
بعد هذا نقول : إن من الحقائق التي يجب الاعتراف بها أننا أمام فكر خطير ، رأينا بعض آثاره التي توجب اجتثاثه من جذره وتجفيف منابعه وسد الثغرات وإغلاق المنافذ أمام دعاته ؛ لأن الأحداث تؤكد انه لا مكان لأنصاف الحلول كما ان هناك الكثير من المناشط والجهات والجمعيات التي استغلها القوم ولوثوها بفكرهم العفن ، حتى أصبحت بمثابة الآنية التي يبصق فيها من زمن ليس بالقصير . ولذا فنظافة الآنية قد توجب إغلاقها ولو إلى حين والعمل على إزالة ما علق فيها من رواسب تلك الدعوات . كما ان توبة القوم (لو سلمنا بها) لاتوجب تصديهم للدعوة مرة أخرى ، فليست هداية الأمة متوقفة عليهم ، كما ان مثل هذه الظروف لاتسمح بالمجازفات وإحسان الظن بهؤلاء القوم ، وإعطائهم الفرصة من جديد لإعادة التكوين وتكرار التجربة المريرة بأسوأ مما كان ، خاصة وان مرحلتهم القادمة إنما مرحلة ترميم وهي بلا شك أيسر عندهم من مرحلة البناء والتكوين . وإذا كان القوم فعلوا ما فعلوا سابقا وسوء الظن محيط بهم فكيف يكون صنيعهم ونتاجهم بعد ان غيروا جلودهم وأحسن الظن بهم وتحرروا من كثير من قيودهم السابقة ، واقتحموا القنوات وتصدروا الكتابات الصحفية وغير ذلك من الوسائل التي يكانوا يعدونها وسائل علمانية ؟؟.
وخاتمة الكلام نقول : من أغفل الصغير حتى يكبر والقليل حتى يكثر والخفي حتى يظهره واخّر فعل اليوم إلى غد ، فالله أعلم بما سيكون في غد، قال نصر ابن سيار:
أرى خلل الرماد وميض نار
وأحسب أن سيتبعه ضرام
فإن النار من العودين تذكى
وإن الحرب أولها كلام
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.